ذكاء اصطناعي

الإنترنت الكمي يقتحم الألياف التجارية لأول مرة… ثورة حقيقية تبدأ الآن!

محمد كمال
محمد كمال

4 د

نجح مهندسو جامعة بنسلفانيا في إرسال إشارات كميّة عبر ألياف ضوئية تجارية.

تم تطوير "شريحة كمومية" لتنسق بين إشارات الكم والعادية بفعالية.

توفر هذه التقنية أساسًا لإنترنت كمي عالمي يعزز الأمان الرقمي.

تساهم الاستراتيجية الجديدة في معالجة التشويش دون الحاجة لقياس الإشارات الحساسة.

التوسع المستقبلي للإنترنت الكمومي يعتمد على تحسين الأجهزة والتقنيات.

هل تخيلت يوماً أن الحواسيب الخارقة المستقبلية ستتواصل فيما بينها عبر نفس الأسلاك التي تمد منزلك بالإنترنت؟ هذا الحلم العلمي اقترب خطوة جديدة من التحقق، بعد أن نجح مهندسو جامعة بنسلفانيا في إرسال إشارات كميّة عبر كابلات الألياف الضوئية التجارية، مستخدمين نفس بروتوكولات الإنترنت التي تشغّل عالمنا الرقمي اليوم.

لقد شهدنا طفرة في عالم الشبكات بعد هذا الإنجاز الفريد: فقد أثبتت التجربة أن الإشارات الكمومية، التي عادة ما تكون حساسة للغاية وتتلف بسهولة بسبب الضوضاء، يمكنها أن تسافر جنباً إلى جنب مع البيانات العادية على البنية التحتية الموجودة بالفعل. أقيمت هذه التجارب الريادية على شبكة ألياف ضوئية نشطة تابعة لشركة فيرايزون، ما وضع أسساً واقعية لـ "إنترنت كمي" عالمي قد يغيّر مفاهيم الذكاء الاصطناعي والأمن والتواصل الرقمي رأساً على عقب.


الرقائق الكمومية: قلب الشبكة الجديدة


الإنجاز المحوري كان تطوير ما يسمى بـ "الشريحة الكمومية" أو Q-chip. هذه الشريحة الصغيرة صُممت لتنسيق الإشارات الكمومية والكلاسيكية معاً، مع الحرص على التوافق التام مع بروتوكولات الإنترنت الحديثة. في هذه العملية، يسافر نبضان من الضوء: الأول يحمل البيانات التقليدية ويسبق النبضة الكمومية الحساسة التي تحتوي على المعلومات الفريدة. هذه الطريقة تسمح للأنظمة بتتبع البيانات وتوجيهها مثل قطار يقوده قاطرة كلاسيكية تتبعها عربات الكم المشفّرة، دون فك شفرة محتواها وإفسادها.

هنا نجد الصلة بين النظرية والتطبيق؛ فأول مرة يستعرض فيها العلماء نموذجاً عملياً حياً لشبكة كمومية تستطيع التعامل مع صعوبة توجيه وفحص الإشارات الحساسة، من دون تدمير خواصها الغريبة بحكم القياسات.

وهذا يساهم في تعزيز قدرة الشبكة على تحمّل تحديات الواقع، من تغيرات الحرارة والاهتزازات إلى ضجيج الشوارع، والتي لم يكن يمكن تجاوزها في تجارب المختبر المعزولة.


معالجة الأخطاء والانتقال إلى المستقبل


إحدى أكبر العقبات أمام الإنترنت الكمومي هي الضوضاء التي تصيب الإشارات أثناء انتقالها عبر كابلات الألياف الضوئية الحقيقية. الحل الذكي الذي قدمه الباحثون يقوم على استغلال التشابه بين تأثير الضوضاء على النبض الكلاسيكي والكمومي: فعبر مراقبة وتشخيص النبض العادي، يمكن تعويض التشويش الذي يصيب النبض الكمومي – وكل ذلك دون الحاجة إلى قياس الإشارة الحساسة نفسها والتسبب في تلفها.

هذه الاستراتيجية ساعدت الفريق على الحفاظ على دقة عالية لنقل البيانات الكمية (أكثر من 97% حتى عبر شبكة نشطة)، وهو إنجاز مهم يعطي أملًا في توسيع هذه الشبكات بأقل التكاليف وباستخدام الرقائق السيليكونية المصنعة بتقنيات مألوفة.

وبالعودة لجوهر الحديث عن المستقبل: هذه التجربة تمثل بداية حقيقية لنقل الإنترنت الكمي من نطاق المختبرات الجامعية الضيقة إلى أنظمة المدن الكبرى، مع إمكانية الربط المباشر بين الخوادم وأجهزة الحوسبة الكمومية باستخدام ألياف موجودة أصلاً تحت الشوارع.

ومع ذلك، يبقى التحدي الأساسي هو أن الإشارات الكمومية لا يمكن تضخيمها أو تقويتها كما هو الحال مع البيانات التقليدية، وإلا تفقد ارتباطها الكمي. لذلك فإن التوسع من نطاق المدن إلى القارات يتطلب ثورات إضافية في الأجهزة والتقنيات.


آفاق وعوائق الإنترنت الكمومي


من السهل ملاحظة أن هذه القفزة تفتح الباب أمام نوع جديد تماماً من الشبكات، قد تجعل أمان الاتصالات منيعاً تماماً، وتسهم في ربط الحواسيب الكمومية لتحل مسائل معقدة أسرع بملايين المرات من أفضل الحواسيب التقليدية. مع ذلك، هناك فرق جوهري: بعض الحلول المتوفرة اليوم تستخدم تقنيات مفاتيح الكم الآمنة ولكن لا تتيح ربط المعالجات الكمومية فعليا، وهي خطوة لم تحسم بعد.

وفي هذا السياق، يبدو أن ما تحقق في بنسلفانيا يضع حجر الأساس المناسب لمستقبل تتحدث فيه الشبكات العادية والكمومية اللغة نفسها، وتستفيد من تقنيات مثل تصحيح الأخطاء الديناميكي والإدارة الذكية عبر البروتوكولات الموحدة.


الخلاصة وربط النقاط

ذو صلة


لو أعدنا عقارب الساعة إلى التسعينيات، عندما بدأت الجامعات أولى الروابط بين شبكات الحاسوب، ربما لم يتوقع أحد أن تتحول تلك الخطوة المتواضعة إلى الإنترنت العملاق الذي يحكم عالمنا اليوم. ويبدو أن الإنترنت الكمي يعيش لحظة مشابهة: الانطلاق بخطوة علمية صغيرة نحو آفاق يصعب تصوّرها، حيث تتكامل الأجهزة الكمومية مع شبكاتنا الحالية، فنشهد مستقبلاً من التواصل الآمن والسريع والابتكار التقني الذي لم نعرفه من قبل. المنجز العلمي الراهن ليس إلا بداية رحلة كبرى نحو "عصر الإنترنت الكمي".

مصطلحات مترابطة استخدمت: الإنترنت الكمي، شبكات الألياف الضوئية، الإشارات الكمومية، بروتوكولات الإنترنت، البيانات الكلاسيكية، الأمن الرقمي، تصحيح الأخطاء، الحوسبة الكمومية، التشويش، الرقائق السيليكونية، البنية التحتية، مفاتيح الكم.

ذو صلة