ذكاء اصطناعي

الجنين يقرر مصيره مبكرًا: الذكور ينمون أسرع جينيًا من الإناث بعد أيام من التخصيب

محمد كمال
محمد كمال

3 د

أظهرت دراسة جامعة كورنيل أن الأجنة الذكور تنمو بوتيرة أسرع من الإناث.

لاحظ العلماء أن الفروق الجينية في الأجنة تبدأ منذ الأسبوع الأول للإخصاب.

أجريت التجارب على أجنة الأبقار وأظهرت نشاطًا متفاوتًا في الجينات بين الجنسين.

يساعد هذا الاكتشاف في تحسين طرق العلاجات الطبية وتقنيات الإخصاب الصناعي.

التعاون بين علماء كورنيل يعزز الفهم الأعمق لنمو الأجنة وتأثيره على الصحة مدى الحياة.

في مختبر هادئ بجامعة كورنيل الأمريكية، توصل علماء إلى اكتشاف قد يغيّر فهمنا المبدئي لنشأة الحياة. فقد تبين أن الأجنة الذكور والإناث تبدأ بالتطور بطرق مختلفة بعد أسبوع واحد فقط من عملية الإخصاب، أي قبل ظهور الهرمونات الجنسية مثل التستوستيرون أو الإستروجين.

ورغم أن الباحثين لاحظوا منذ عقود أن الأجنة الذكور في كثير من الأنواع الثديية — ومن بينها الإنسان — تنمو بوتيرة أسرع من الأجنة الإناث، إلا أن السبب الدقيق ظل غامضاً. الدراسة الجديدة المنشورة في مجلة *Cell & Bioscience* كشفت عن تفسير جيني واضح لهذا التباين.


اختلافات جينية مبكرة غير متوقعة

أجرى فريق كورنيل تجاربه على أجنة الأبقار داخل أطباق مخبرية، حيث تم تحليل الحمض النووي الريبي (RNA) لتتبع نشاط الجينات في المراحل الأولى للتطور. النتائج كانت مفاجئة: الأجنة الذكورية أظهرت نشاطاً أكبر في الجينات المسؤولة عن إنتاج الطاقة وتسريع الانقسام الخلوي، أما الأجنة الأنثوية فركّزت على تفعيل الجينات المعنية بتكوين الأعضاء التناسلية وتطور جهاز المناعة وتنظيم الالتهابات.

وهذا يدفع إلى التساؤل حول مدى عمق هذه الفروق في الجينوم نفسه بعيداً عن تأثير العوامل الهرمونية. فالعالم جينغيو «إيلي» دوان، المشارك في إعداد الدراسة، يؤكد أن الفروق بين الجنسين لا تنتظر الهرمونات لتظهر، بل تبدأ على مستوى الخلية منذ الأيام الأولى للتكوين.

وهنا ينتقل النقاش إلى البعد العملي لاكتشاف كهذا، وتأثيره المحتمل في مجالات الطب وإخصاب الأنابيب.


انعكاسات طبية وزراعية واسعة

تشير دوان إلى أن اعتماد الأبحاث والمختبرات على إناث أو ذكور فقط أدى إلى قصور في فهم الأمراض التي تصيب الجنسين بشكل مختلف مثل الزهايمر وأمراض المناعة والقلب. الفهم الجديد لطبيعة النشاط الجيني المبكر سيساعد على تصميم أدوية تراعي الفروق البيولوجية منذ المراحل الأولى لتجريبها، مما يعزز فعالية العلاج ودقته لكلا الجنسين.

وينسحب هذا التأثير أيضاً على تقنيات الإخصاب الصناعي (IVF)، سواء في الإنسان أو الحيوان، إذ يتيح هذا الاكتشاف إمكانية تحسين اختيار الأجنة الأنسب للنمو وتقليل معدلات فشل الزرع.

وهذا يرتبط بمستقبل أكثر دقة للطب التناسلي وللزراعة الحيوانية التي تعتمد على تكرار عمليات التلقيح الصناعي.


من الأبقار إلى الإنسان: دروس جينية مشتركة

اختيار الأبقار لم يكن عشوائياً، فهي تُظهر نمط تطور جنيني قريب جداً من الإنسان، كما يمكن دراسة أجنتها بسهولة دون تعقيدات أخلاقية. هذه الميزة جعلت الفريق يستخلص بيانات دقيقة حول كيفية اختلاف نشاط الكروموسومات بين الأجنة التي تحمل XY والأخرى التي تحمل XX.

ويؤكد العلماء أن هذا الفارق الكروموسومي بحد ذاته يكفي لخلق «سيناريوهات نمو» متباينة تؤثر لاحقاً على جهاز المناعة والاستقلاب وحتى مدى الاستجابة للأمراض مع التقدم في العمر.

ويبدو أن هذه البدايات الجينية هي التي ترسم الخطوط الأولى لصحتنا مدى الحياة قبل أن تبدأ أجسادنا في التكوّن الفعلي.


نحو فهم أعمق للحياة منذ اللحظة الأولى

تعاون مختبر دوان مع فريق البروفيسور سون هون تشونغ من كلية الطب البيطري في كورنيل لتوسيع التطبيقات العملية، سواء في تحسين الإخصاب الحيواني أو في توجيه الأبحاث الطبية البشرية. ويخطط الفريق حالياً لتتبع نشاط الجينات يوماً بيوم من الإخصاب حتى اليوم الثامن لفهم كيف تتغير الأنماط عبر الوقت.

ذو صلة

ومن المتوقع أن تفتح النتائج المقبلة الباب أمام تحديث طرق اختبار الأدوية، ووضع معايير جديدة لتقنيات الإخصاب، بحيث تراعي التفاوت الجيني بين الذكر والأنثى منذ البداية.

وبهذا الاكتشاف، يتضح أن الحياة تبدأ في رسم ملامحها أسرع بكثير مما كنا نتصور، وأن المستقبل الصحي — سواء للإنسان أو للحيوان — يبدأ فعلياً من لحظة الإخصاب الأولى.

ذو صلة