الحضارة الحديثة ليست الأولى… بطارية بابل تكشف خدعة التاريخ!

3 د
تُعتبر "بطارية بابل" من أغرب الاكتشافات الأثرية في العراق القديم.
اكتشفت البطارية في ثلاثينيات القرن الماضي وتحتوي على اسطوانة نحاسية وقضيب حديدي.
كان يُعتقد أنها قد تُستخدم لإنتاج تيار كهربائي بسيط عبر مواد عضوية كسائل.
يعتقد البعض أنها استُخدمت في أغراض دينية أو شعائرية لتحقيق تأثيرات ملموسة.
تشكل هذه البطارية رمزًا للمعرفة الهندسية في حضارات بلاد الرافدين القديمة.
بعيدًا عن صفحات كتب التاريخ المألوفة، تقف "بطارية بابل" كواحدةٍ من أغرب الاكتشافات الأثرية التي أثارت نقاشات واسعة بين علماء الآثار ومحبي العلوم الغامضة. فما سر هذا الابتكار الذي ظل مدفونًا في أعماق أرض العراق لأكثر من ألفي عام؟ وهل كان سكان بلاد الرافدين حقًا سبّاقين في استكشاف الكهرباء قبل أن تدونها كتب الفيزياء الحديثة؟
عند الحديث عن "بطارية بابل"، لا بد أن نعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي حين عثر علماء آثار بالقرب من بغداد على وعاءٍ فخاري غريب الشكل من زمن الحضارات البابلية. كان يحتوي على اسطوانة نحاسية وقضيب حديدي يغطيه الإسفلت الطبيعي أو ما يسمى "البيتومين"، بما يشبه إلى حد كبير تصميم البطاريات الكهربائية البسيطة المعروفة باسم "الخلايا الجلفانية". هذا التصميم أذهل الجميع وأثار تساؤلات: هل كان البابليون يعرفون الكهرباء ويستخدمونها؟
ومن هنا، تتوالى النظريات والشروحات حول هذه البطارية. يرى بعض الباحثين أن البابليين ربما استعملوا حامضًا عضويًا مثل الخل أو عصير الليمون داخل الإناء لإنتاج تيار كهربائي بسيط، لا يتعدى فولتًا أو اثنين. وقد أجريت تجارب حديثة باستخدام نماذج تحاكي التصميم الأصلي، فتبين فعلاً أن هذه الأعمدة تولد شحنة كهربائية بسيطة. وهذا الربط يدفعنا للتساؤل عن استخدامات الكهرباء في تلك الأزمنة البعيدة.
نقاش حول الوظيفة: الزينة أم القداسة؟
يعتقد فريق من العلماء أن هذه البطارية ربما استُخدمت في عمليات الطلاء الكهربائي، وهي تقنية تسمح بإكساء المعادن بمعدن آخر مثل الذهب أو الفضة عبر تمرير تيار كهربائي محدود. تجارب لاحقة نجحت بالفعل في تطبيق الطلاء باستخدام نماذج مشابهة من بطارية بابل، لكن حتى الآن لا دليل أثري ثابت يبرهن ممارسة البابليين لهذا النوع من الحرف. وفي اتجاه آخر، طرح بعض الباحثين فرضية الطابع الديني أو الشعائري للجهاز؛ أي أن البطارية قد تكون جزءًا من طقوس روحية يهدف من خلالها الكهنة لإبهار الحضور بتوليد شرارة كهربائية أو صعق كهربائي خفيف يُفسّر على أنه "قوة إلهية" أو بركة ربانية.
هذا النقاش المتواصل يوضح كيف أن الغموض حول بطارية بابل لا يقتصر فقط على الجانب التقني، بل يطال أيضًا البعد الحضاري والطقوسي في منطقة ازدهرت فيها الأساطير والتقاليد الغريبة.
وهنا يأتي سؤال آخر: إذا لم يكن البابليون يستخدمون هذه البطارية كجهاز كهربائي بالمعنى العلمي، فهل كانت مجرد وعاء تخزين محكم الإغلاق يحمي المحتويات الثمينة كالوثائق المقدسة أو الحلي الصغيرة؟ بعض العلماء يرون أن وجود البيتومين قد يشير إلى هدف عملي بحت، وهو منع تسرب الرطوبة وليس أكثر.
أضواء على التجارب الحديثة وإرث بلاد الرافدين
في العصر الحديث، أعاد الباحثون تصنيع البطارية باستخدام الخزف الأصلي والنحاس والحديد والمواد العضوية، وتوصلوا إلى أنها تنتج تيارًا ضئيلًا لا يكفي سوى لإضاءة لمبة صغيرة جدًا أو الطلاء المعدني لمجوهرات ميكروسكوبية. النقاش العلمي لم يحسم بعد فيما إذا كان البابليون الحقيقيون على وعي بهذه الإمكانيات أو أنهم صنعوا البطارية مصادفة أثناء تطوير أدواتهم اليومية.
استمر الجدل لسنوات بين المتخصصين، خاصة مع غياب أي نصوص أو رسومات بابلية مباشرة توضح معرفة الكهرباء أو وصف تطبيقاتها الطبية والصناعية. هذا الغموض أضفى على "بطارية بغداد" – كما يلقبها البعض – هالة من الأسرار جعلتها موضوعًا مشوقًا لمئات الباحثين ومحبي الحضارات القديمة.
ما يجمع عليه الجميع أن اكتشاف بطارية بابل يبرز العمق الهندسي والمعرفي الذي وصل إليه إنسان بلاد الرافدين. وبين الحيرة والدهشة، تظل هذه البطارية رمزًا لتداخل الأسطورة والتجربة العلمية، ومساحة مفتوحة لمزيد من الاكتشافات حول تقنيات العراقيين القدماء وقدرتهم على إدهاش العالم حتى يومنا هذا.









