السرطان ينتقل أثناء الجراحة؟ إصابة جراح بورم بعد عملية معقدة!

3 د
جراح ألماني يزرع خلايا سرطانية في يده عن طريق الخطأ أثناء عملية جراحية.
تم اكتشاف تطابق جيني تام بين الورم في يد الجراح والورم الأصلي لدى المريض.
استطاعت الخلايا السرطانية إفلات مناعة الجراح ونمو الورم دون مقاومة.
الحادثة تذكر بأهمية تعقيم غرف العمليات والوقاية لمنع انتقال الأمراض.
نجحت العملية الجراحية لإزالة الورم وتعافى الطبيب تماما بعد عامين.
في واقعة تُشبه قصص الخيال العلمي أكثر من الطب الواقعي، اكتشف جراح ألماني يبلغ من العمر 53 عاماً أنه أصيب بورم خبيث في يده ناتج عن جراحة كان يجريها لإنقاذ حياة مريض آخر. القصة التي نُشرت في إحدى المجلات الطبية المرموقة تسلط الضوء على حالة استثنائية نادرة، قد تحمل دروساً مهمة في مجالات الجراحة والتعقيم الطبي ومناعة الجسم.
بدأ الأمر عندما لاحظ الجراح تورماً عند قاعدة إصبعه الأوسط في اليد اليسرى، وهي المنطقة التي كان قد جرحها قبل عدة أشهر أثناء استئصاله ورماً سرطانياً من بطن أحد المرضى. لم يكن الجرح وقتها يبدو خطيراً، لكن ما حدث لاحقاً فاجأ الأطباء جميعاً.
وهنا تبدأ خيوط القصة الطبية في التشابك.
الورم المجهول: مطابقة جينية غير متوقعة
بعد إزالة الكتلة التي بلغ قطرها نحو ثلاثة سنتيمترات، أظهرت التحاليل أن الورم من نوع “الورم الليفي الهستيوسيتومي” وهو نفسه نوع الورم الذي أُزيل من المريض الأصلي. المفاجأة الكبرى جاءت عندما أجرى العلماء تحليلاً للحمض النووي—الـDNA—لكلا الورمين، ليكتشفوا أن النسيجين متطابقان جينياً بشكل تام، ما يعني أن الخلايا السرطانية انتقلت فعلاً من المريض إلى الطبيب خلال العملية.
هذه النتيجة كانت صادمة لأنها تشير إلى أن الجراح قد زرع في جسده خلايا سرطانية دون قصد أثناء الجراحة، وهو أمر كان يُعتقد أنه شبه مستحيل في غياب نقل أعضاء أو دم ملوث.
وبهذا تنتقل القصة من لغز طبي إلى تجربة مذهلة في علم المناعة البشرية.
كيف نجا الورم من جهاز المناعة؟
من المعروف أن الجسم البشري يرفض أي نسيج غريب مختلف وراثياً، ولهذا تُستخدم مثبطات المناعة في عمليات زرع الأعضاء لتجنّب الرفض المناعي. لكن في هذه الحالة، لم ينجح جهاز مناعة الجراح في تدمير الخلايا المزروعة. يوضح التقرير أن الخلايا السرطانية قد لا تُظهر ما يكفي من المستضدات لتحفيز الجسم على إنتاج الأجسام المضادة اللازمة لمهاجمتها، ما سمح لها بالنمو بهدوء داخل النسيج الجديد.
وهذا يضيف طبقة أخرى من الغموض إلى قدرة بعض أنواع السرطان على الإفلات من رقابة الجهاز المناعي.
لاحقاً، خضع الطبيب لعملية جراحية ناجحة أُزيل فيها الورم بالكامل، وتعافى تماماً دون أي بوادر لعودة المرض حتى بعد مرور عامين على الحادثة.
ويُظهر ذلك أهمية الاكتشاف المبكر والعلاج الجراحي السريع في السيطرة على مثل هذه الإصابات النادرة.
ظاهرة نادرة... ولكنها ليست الأولى
بالرغم من غرابة القصة، فإن حالات انتقال السرطان من مريض إلى آخر عبر زراعة الأعضاء تم توثيقها في تقارير طبية سابقة. ومع أن مثل هذه الحوادث تبقى استثناءً نادراً، فإنها تذكّر الأطباء والخبراء بضرورة الالتزام الصارم بتقنيات الوقاية والتعقيم في غرف العمليات.
وهذا يعيدنا إلى جوهر المسألة: حتى في بيئة يُفترض أنها الأكثر أماناً، يمكن لخلية واحدة أن تُحدث فرقاً بين الشفاء والمرض.
خاتمة
قصة الجراح الألماني ليست مجرد حادثة طبية غريبة؛ إنها تذكير بمدى هشاشة الحدود بين المعالج والمريض، وبين الخطر والسلامة في عالم الجراحة الدقيقة. إنها أيضاً تفتح الباب أمام تساؤلات جديدة حول قدرة الخلايا السرطانية على البقاء والتكيّف، وحول سبل حماية الكوادر الطبية من مثل هذه المخاطر غير المتوقعة.
ولعل الدرس الأكبر هنا أن الطب، مهما تقدم، ما زال يخبئ لنا مفاجآت لا يُدركها أحد إلا بعد فوات الأوان.









