السكري الذي لا علاقة له بالسكر؟ مرض نادر يربك الأطباء والمصابين!

3 د
يصيب السكري الكاذب الهرمون المضاد لإدرار البول، مما يسبب العطش والتبول المفرط.
ينتج من خلل في الدماغ أو الكلى، مما يؤدي إلى فقدان سوائل الجسم.
تتطلب الحالات علاجاً هرمونياً أو نظاماً غذائياً لضبط توازن السوائل.
الخلل العصبي أو النفسي قد يسبب شرب الماء المفرط بشكل غير ضروري.
الأعراض تتداخل أحياناً مع اضطرابات نفسية معقدة، مما يتطلب تشخيصاً دقيقاً.
في وقت تتجه فيه الأنظار دائماً إلى داء السكري المرتبط بارتفاع السكر في الدم، هناك نوع آخر غامض يحمل الاسم نفسه لكنه لا يمتّ بصلة للجلوكوز أو للأنسولين. إنه **السكري الكاذب (Diabetes Insipidus)**، اضطراب نادر يجعل الجسم يفقد السيطرة على عطشه وتوازنه المائي، حتى يصبح الماء ذاته تهديداً صحياً إن لم يتلقَّ المريض العلاج المناسب.
يشترك السكريان — الكاذب والمألوف — في عرض واحد هو **كثرة التبول والعطش المستمر**، وهو ما ألهم الأطباء الإغريق إطلاق كلمة *“ديابيتس”* المشتقة من الأصل اليوناني الذي يعني “المرور المتكرر”. لكن التشابه ينتهي هنا؛ فبينما يختلّ في السكري المعروف تنظيم **الأنسولين وسكر الدم**، يعاني مرضى السكري الكاذب من خلل في **الهرمون المضاد لإدرار البول (AVP)** المسؤول عن احتفاظ الجسم بالماء.
وهذا يقودنا إلى السؤال الأعمق: ما الذي يجعل الجسد يفقد القدرة على الاحتفاظ بالماء رغم شربه المستمر؟
خلل الهرمونات... حين تنقطع الرسائل بين الدماغ والكليتين
ينشأ الهرمون المعروف باسم فازوبريسين أو ADH في منطقة **تحت المهاد (الهيبوثالاموس)** ثم يُخزَّن في **الغدة النخامية**، ليُفرز لاحقاً حسب حاجة الجسم إلى الماء. فإذا نقص إنتاجه أو تعطّل عمله نتيجة **إصابة دماغية، جراحة، ورم أو عدوى عصبية**، تفقد الكليتان قدرتهما على إعادة امتصاص الماء. النتيجة: تبول مفرط، عطش لا يروى، وجفاف مستمر حتى مع شرب كميات كبيرة من السوائل.
وهذا يربط بين أساس المشكلة الهرمونية وأحد أسبابها الشائعة: **السكري الكاذب المركزي**، أي النوع الذي ينجم عن غياب أو نقص إنتاج AVP في الدماغ. ويأتي العلاج هنا على هيئة **دواء يُدعى ديسموبريسين**، وهو مركب اصطناعي يعمل كبديل للهرمون الطبيعي، يُقدَّم على شكل بخاخ أنفي أو أقراص.
عندما تقاوم الكليتان الأوامر
لكن القصة لا تتوقف عند هذا الحد. في بعض الحالات، لا ينجح AVP نفسه — سواء كان طبيعياً أو دوائياً — في إقناع الكليتين بالاستجابة. وهنا يظهر ما يُعرف بـ"**السكري الكاذب الكلوي أو المقاوم للـAVP**". وغالباً ما يكون السبب وراثياً أو ناتجاً عن **أدوية مثل الليثيوم** أو اضطراب في أملاح الدم. في هذه الحالات، يعتمد الأطباء على **نمط غذائي منخفض الملح** وأدوية مساعدة تحدّ من فقدان المياه، إضافة إلى متابعة دقيقة لضبط سوائل الجسم.
وهذا يوضح أن السكري الكاذب ليس مرضاً واحداً بل مجموعة اضطرابات تشترك في النتيجة نفسها: **فقدان السيطرة على العطش والماء**.
الجانب النفسي والعطش المفرط
من النادر، لكنه ممكن، أن يكون السبب نابعاً من **الدماغ نفسه** وليس من الهرمون أو الكلية. ففي ما يُعرف بـ"**السكري الكاذب العطشي (Dipsogenic)**"، يختل مركز الإحساس بالعطش داخل الهيبوثالاموس، فيدفع المريض إلى شرب كميات ضخمة من الماء دون حاجة فعلية. هذه الحالة قد تؤدي إلى **انخفاض خطير في تركيز الصوديوم بالدم**، مسببة صداعاً وتشنجات وربما فقداناً للوعي. ولتعقيد الموضوع أكثر، تتقاطع الأعراض أحياناً مع اضطرابات نفسية مثل **العطاش النفسي** المرتبط ببعض الحالات الذهانية.
وهذا يربط بين الخلل العصبي والنفسي من جهة، وبين ثقافة “الإكثار من شرب الماء” المنتشرة اليوم من جهة أخرى.
الماء... من سرّ الحياة إلى خطر خفي
في زمن تُروَّج فيه نصائح شرب الماء بكثرة للحفاظ على الصحة والجلد والكلى، يبدو السكري الكاذب تذكرة مبكرة بأن **الإفراط في السوائل قد يكون سامّاً أحياناً**. فكما يمكن لقلة الماء أن تُنهك الكليتين، فإن زيادته المفرطة قد تخلّ بتوازن الأملاح وتعرض الدماغ للخطر.
الخلاصة أن كلمة “سكري” لا تعني بالضرورة “مرض السكر”. فهناك شكل آخر أقل شيوعاً لكنه لا يقل خطورة عن نظيره المعروف. إذا كنت تعاني من عطش دائم أو تبول مفرط بلا سبب واضح، فالأمر يستحق مراجعة الطبيب. قد لا تكون المشكلة في السكر... بل في الماء نفسه.









