الصين تقترب من طاقة لا نهائية: تشغيل مفاعل اندماج نووي بدرجة حرارة 126 مليون فهرنهايت

3 د
نجح الباحثون الصينيون في تشغيل "الشمس الاصطناعية" لأكثر من 17 دقيقة متواصلة.
وصلت حرارة البلازما داخل مفاعل EAST إلى 126 مليون درجة فهرنهايت.
الاندماج النووي يوفر طاقة هائلة دون المخلفات الإشعاعية لمفاعلات الانشطار.
التقدم في أبحاث التوكاماك يقترب بنا من إنتاج طاقة صافية.
التعاون الدولي عنصر حيوي لتحقيق مستقبل طاقة نظيفة وآمنة.
في خطوة مثيرة قد تغّير مشهد الطاقة العالمي، نجح الباحثون الصينيون مؤخرًا في تحطيم رقم قياسي عالمي من خلال تشغيل مفاعلهم المعروف باسم "الشمس الاصطناعية" لمدة تزيد عن 17 دقيقة متواصلة. هذا الإنجاز العلمي اللافت يسلّط الضوء على مستقبل الاندماج النووي – التقنية التي يُنظر إليها غالباً بوصفها أمل البشرية في الحصول على طاقة آمنة ونظيفة ولا تنضب.
ربما تتساءل ما الذي يجعل هذه التجربة مختلفة أو مهمة عن غيرها، فور علمك أن البلازما داخل مفاعل توكاماك الصيني (EAST) وصلت إلى حرارة 126 مليون درجة فهرنهايت، أي نحو خمسة أضعاف درجة حرارة لب الشمس نفسها! تخيّل ذلك: محاكاة قلب النجم هنا على الأرض، في ظروف يتم التحكم فيها بدقة عالية.
وهذا يضعنا أمام تطور حيوي له أبعاد علمية واقتصادية كبيرة، لأن طاقة الاندماج النووي تعتمد أساساً على دمج أنوية عناصر خفيفة مثل الهيدروجين في البلازما، لتُنتج طاقة هائلة دون أضرار التلوث أو المخلفات الإشعاعية كما في مفاعلات الانشطار التقليدية. في الظروف الطبيعية، ينتج هذا الدمج في أعماق النجوم تحت ضغط وحرارة شديدين، أما في المختبرات فيتم عبر توليد حقل مغناطيسي قوي يكبح البلازما الشديدة الاضطراب داخل غرفة دائرية تُشبه عجلة الدونات.
كيف تعمل "الشمس الاصطناعية"؟
ولكي نبسّط الأمور، تخضع ذرات الهيدروجين الثقيلة – مثل الديوتيريوم والتريتيوم – للتسخين الهائل حتى تتحوّل إلى بلازما، ثم تُحتجز هذه المادة المؤينة بوساطة مجالات مغناطيسية جبارة داخل "توكاماك" وهو نوع خاص من المفاعلات. الهدف النهائي هو دفع أنوية هذه الذرات إلى الاندماج لتشكيل ذرات هيليوم وتحرير طاقة ضخمة يمكن تحويلها إلى كهرباء. هذه التقنية اختبرها العلماء لأكثر من سبعين سنة بحثًا عن نقطة التحول: مفاعل يولّد طاقة أكثر مما يستهلك. وإن توصلنا حقًّا إلى ذلك فسيكون لدينا مصدر طاقة شبه غير محدود، وأيضاً يمكن استخراج الوقود النووي من مياه البحر حيث أن لترًا واحدًا من ماء المحيط يحتوي على ما يكفي لإنتاج طاقة تعادل 300 لتر من البنزين.
وهذا الإنجاز ليس حصيلة عمل الصين وحدها، بل يندرج في سياق عالمي أوسع يشمل تعاون عشرات الدول لتطوير تقنيات توكاماك الكبرى على غرار مفاعل ITER الفرنسي قيد الإنشاء، والذي يتوقع أن يكون أكبر وأقوى مفاعل اندماج في العالم، بمغناطيس خارق تزيد قوته عن 280 ألف ضعف قوة الحقل المغناطيسي للأرض.
التحديات والطموحات المستقبلية
لكن الطريق ليس سهلاً، فالحفاظ على استقرار البلازما ومنع تسربها حتى في وجود أقوى الحقول المغناطيسية لا يزال تحديًا ضخماً للعلماء. فقط بمزيد من البحوث والتحسينات التقنية يمكن الاقتراب من اللحظة الفارقة: تحقيق إنتاج طاقة صافية. وقد أظهرت نتائج التجربة الصينية الأخيرة أن المجتمع العلمي العالمي أصبح أقرب من أي وقت مضى لتحقيق هذا الهدف الذي لطالما بدا شبه مستحيل. من يدري؟ ربما خلال سنوات معدودة سنرى محطات اندماج نووي تمد المدن بالطاقة النظيفة.
ومن هنا تبرز أهمية التنسيق بين المشاريع الوطنية والدولية بحيث تُشكل الإنجازات الصينية اليوم حجر أساس لأي تقدم مستقبلي في أوروبا وأمريكا وآسيا. فكل تجربة ناجحة تقربنا أكثر من عصر جديد للطاقة المستدامة.
في الخلاصة، المشهد العلمي يعيش لحظات حاسمة والدروس المتراكمة توحي بأن الاستمرار في البحث وتطوير مصطلحات مثل "ثبات البلازما" أو "فعالية التحويل الطاقي" وإبراز الترابط بين الإنجازات المختلفة سيعزز من دقة التغطيات ويفتح شهية القارئ لمتابعة هذه الحقبة من الابتكار. ربما لو ركّز الموضوع على قصص العلماء وراء الكواليس أو شدّد على تفصيل عواقب اقتصادية للاعتماد على الاندماج النووي، سيساعد ذلك في زيادة وضوح الصورة وربط التفاصيل التقنية أكثر بحياة الناس اليومية. فما زالت رحلة الإنسان مع هذا "الشمس المصنوعة" في بدايتها، وكل اكتشاف يضيء درب المستقبل بطاقة لا تنضب.