ذكاء اصطناعي

الصين تكتشف مليون طن من الثوريوم: كنز من الطاقة يكفي لـ 60 ألف سنة

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشفت الصين ترسبات ضخمة من الثوريوم تقدر بحوالي مليون طن في بايان أوبو.

يعتبر الثوريوم مصدراً واعداً للطاقة النووية النظيفة والأكثر أماناً مقارنة باليورانيوم.

بدأت الصين في تشغيل مفاعل نووي اختباري صغير وتبني محطة أكبر تُشغل بحلول 2030.

تقنية المفاعلات الملح المصهور المستخدمة تعزز الأمن وتقلل من مخاطر الكوارث النووية.

منطقة بايان أوبو تكتسب أهمية استراتيجية لاحتوائها على كبرى ترسبات العناصر النادرة.

تخيل أن هناك مصدراً للطاقة بإمكانه تلبية احتياجات دولة كاملة من الطاقة لعشرات الآلاف من السنين، يبدو الأمر وكأنه قصة من الخيال العلمي، لكنه أصبح أقرب إلى الواقع بعد اكتشاف مدهش في الصين، قد يغير قواعد اللعبة في قطاع الطاقة العالمي.

حيث أعلن علماء صينيون مؤخراً عن اكتشاف ضخم لترسبات معدن "الثوريوم" في منطقة "بايان أوبو" بمنغوليا الداخلية؛ هذه الترسبات قدّرت بحوالي مليون طن، بقيمة تصل إلى 178 مليار دولار، ومن المتوقع أن تكفي لتلبية كافة الاحتياجات الطاقوية للصين لمدة تصل إلى 60 ألف سنة، ما قد يجعل هذا المعدن مفتاحاً لمستقبل نظيف ومستدام للطاقة.

ويتساءل البعض بالتأكيد: ما هو الثوريوم تحديداً، ولماذا يُعتبر مصدراً واعداً بهذا الشكل؟ ببساطة، الثوريوم معدن فضي اللون، طبيعي ومتوافر في القشرة الأرضية، يتواجد غالباً جنباً إلى جنب مع المعادن النادرة. وما يميزه بالفعل هو قدرته الاستثنائية على إنتاج طاقة نووية أكثر أمناً ونظافة من اليورانيوم، مع كميات أقل بكثير من النفايات المشعة الخطرة، كما أنه غير مناسب لإنتاج الأسلحة النووية، ما يجعله خياراً آمناً وسلمياً.

ولا بد من التوضيح هنا أن الثوريوم بحد ذاته لا يمكنه إدامة سلسلة تفاعلات نووية بشكل مستقل؛ فهو يحتاج إلى التحول إلى مادة أخرى قابلة للانشطار هي يورانيوم-233، عبر سلسلة من العمليات التي تتم داخل مفاعل نووي متقدم. وتستخدم هذه المفاعلات وقوداً "بادئاً" من اليورانيوم أو البلوتونيوم لتحفيز التفاعل في بدايته، ومن ثم يتحول الثوريوم إلى يورانيوم-233 منتجاً كميات كبيرة من الطاقة النظيفة.

وهذا يأخذنا إلى التقنية الصينية الرئيسية، إذ اختارت الصين اتباع نهج جديد يُعرف باسم مفاعلات الملح المصهور (Molten Salt Reactors)، وهي مفاعلات نووية مبتكرة تستخدم الملح السائل في نفس الوقت كوقود ومبرد، ما يجعلها أكثر أماناً، حيث من المستبعد جداً حدوث كارثة نووية شبيهة بتلك التي وقعت في تشيرنوبل أو فوكوشيما، بسبب خصائص هذا الوقود المميزة.

وقد بدأت بالفعل الصين مطلع عام 2024 بتشغيل مفاعل اختباري صغير بطاقة 2 ميغاواط، وهي حالياً في طور بناء محطة تجريبية أكبر بقدرة 10 ميغاواط في مقاطعة قانسو الصينية، من المتوقع تشغيلها بحلول عام 2030. هذا المشروع التجريبي سيكون قادراً على توليد الكهرباء وإنتاج وقود الهيدروجين النظيف، ما يفتح آفاقاً واسعة نحو استخدامات متعددة ومستدامة للطاقة المتجددة.

ولا يجب أن ننسى أيضاً الأهمية الاستراتيجية المتزايدة لمنطقة "بايان أوبو"، التي تحتوي على واحدة من كبرى الترسبات العالمية لـ"العناصر الأرضية النادرة"، التي تعد مكوناً أساسياً للعديد من التقنيات الحديثة التي نستخدمها يومياً في أجهزتنا الذكية، السيارات الكهربائية، حتى توربينات الرياح، الأمر الذي يزيد من قوة الصين في أسواق التكنولوجيا العالمية.

ذو صلة

وبينما تتزايد المخاوف الدولية بشأن شح الموارد وتصاعد الأزمات البيئية، يبدو أن الثوريوم ومفاعلات الملح المصهور قد يمثلان الحل المنتظر الذي يوفر طاقة أكثر أماناً، نظافة واستدامة. ولكن الطريق أمام هذا الحل الواعد ما يزال مليئاً بالتحديات التقنية والسياسية، وستشكل إدارة الصين لهذه الموارد والعلاقة بين القوى العالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة، عاملاً حيوياً في تحديد مستقبل هذا النوع الجديد من الطاقة.

في الختام، يظل السؤال مطروحاً أمامنا كأفراد ومجتمعات: هل يمكن للثوريوم أن يقود ثورة جديدة في مجال الطاقة النظيفة تحررنا من الاعتماد الحالي على مصادر الوقود الأحفوري وتخفف من قلقنا المتزايد بسبب مخاطر تغير المناخ؟ ربما تكون متابعة هذه التطورات عن كثب ودعم الأبحاث العلمية في هذا المجال من الخطوات المهمة لتحفيز هذا التغيير، وإيجاد الحلول المستدامة لمشاكل الطاقة العالمية.

ذو صلة