ذكاء اصطناعي

القباب الغامضة تحت الماء… سر تصدع قد يقسم الأرض نصفين!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

تكشف قباب رملية في بحر الشمال عن شقوق خفية في قشرة الأرض.

الظاهرة تتحدى "قانون التطبق الفوقي" بتكوينات جيولوجية غير متوقعة.

ربط الباحثون بين اهتزازات زلزالية وحركة الرمال إلى أعماق أعمق.

تُظهر دراسة الأعماق أهمية بالغة في قطاعات الطاقة والتنقيب.

تؤكد النتائج حاجة لإعادة النظر في فهم حركات الأرض مستقبلاً.

في أعماق بحر الشمال قرب سواحل النرويج، لم يعد المشهد مجرد تضاريس بحرية عابرة كما قد يتوقع البعض. فقد أثارت تشكيلات غامضة، أطلق عليها العلماء اسم "سينكايتس"، دهشة الجيولوجيين بعدما قلبت أحد أبسط قوانين علوم الأرض رأساً على عقب. الدراسة التي نُشرت حديثاً في مجلة **Communications Earth & Environment** تفتح الباب أمام إعادة النظر في ماضي كوكبنا الجيولوجي وربما مستقبله كذلك.

الظاهرة لم تكن جديدة كلياً على العلماء، إذ ظهرت هذه القباب الرملية في الخرائط الزلزالية منذ سنوات، لكن تفسيرها لم يكن سهلاً. المحاولات السابقة أرجعت وجودها إلى انزلاقات طينية أو تراكمات غير منتظمة من الرواسب، غير أن أياً من تلك النظريات لم يُقنع الباحثين. وهنا بدأ الطريق نحو تفسير أكثر إثارة.


انقلاب القوانين الجيولوجية

في علم الأرض، هناك قاعدة تُعرف بـ“قانون التطبق الفوقي” تقول ببساطة إن الطبقات الأقدم تُدفن أولاً ثم تُغطى بترسيبات أحدث مع الزمن. لكن ما وجده الفريق البحثي تحت قاع بحر الشمال يناقض هذا الأساس: الرمال الأصغر سناً والأكثر كثافة غرقت إلى أسفل، بينما بقيت الطبقات الأقدم والأخف ـ المعروفة بـ“الطفلة الحيوية” أو الـ“أوز” ـ فوقها. وهذا المفارقة الجيولوجية جعلت العلماء يبتكرون مصطلحين جديدين: **Sinkites** للرمال الغارقة و**Floatites** للرواسب العائمة.

وهنا يظهر الرابط المباشر بين الحركة الجيولوجية غير المتوقعة وبين الأنشطة الطبيعية العنيفة مثل الزلازل. فالباحثون يرجحون أن اهتزازات أرضية قوية منذ ما بين 20 مليون إلى 2.6 مليون سنة (العصر الميوسيني والبلستوسيني) تسببت في جعل الرمال تتصرف كسائل كثيف، لتخترق الشقوق وتنزلق إلى طبقات أعمق.


تقنيات لمسح الأعماق

لحل اللغز استعان الباحثون بمسح زلزالي ثلاثي الأبعاد وأخذ عينات من الصخور والرواسب، وهو ما سمح لهم بإعادة رسم صورة دقيقة لما حدث تحت السطح. وقد أظهرت البيانات أن هذه التكوينات تمتد لأكثر من كيلومتر، وأن عملية الانغماس لم تكن حدثاً عشوائياً بل نتيجة ظروف ضغط واهتزاز محددة.

هذا يربط مباشرة بين فهمنا الجديد لتلك القباب الرملية وبين تطبيقات عملية بالغة الأهمية مثل التنقيب عن النفط والغاز أو مشروعات احتجاز الكربون. فإذا كانت طبقات الأرض غير مستقرة بالقدر الذي يسمح بانقلابها تحت ظروف معينة، فإن ذلك يغيّر تماماً من حسابات الأمان والجدوى في مشاريع الطاقة.


دلالات أبعد من بحر الشمال

قد تبدو هذه التكوينات في ظاهرها مجرد فضول جيولوجي، لكنها تحمل أبعاداً أعمق. اكتشاف أن الرمال يمكنها أن “تغرق” أسفل طبقات أقدم يدفع إلى إعادة التفكير في فهمنا لحركة الموائع في الأعماق وإمكانية تسرب السوائل أو الغازات. وإذا وُجدت ظواهر مشابهة في مناطق أخرى من العالم، فقد يعني ذلك إعادة كتابة بعض الأسس في علم طبقات الأرض.

وهذا يربط بين الخلاصات العلمية وبين المخاطر المحتملة في حال تجاهل هذه العوامل في التخطيط لمستقبل الطاقة واستغلال الموارد تحت سطح البحر.

ذو صلة

خاتمة

بهذا الاكتشاف، لم يعد بحر الشمال مجرد ساحة للموارد البحرية والرياح، بل مختبراً طبيعياً يغيّر من قواعد الجيولوجيا. فقباب الرمال الغامضة لم تكشف فقط عن شذوذ طبقي مثير، بل أيضاً عن هشاشة تصوراتنا حول استقرار القشرة الأرضية. وبينما يواصل الباحثون تتبع وجود “السينكايتس” و“الفلوكايتس” في أماكن أخرى، يبقى السؤال: كم من أسرار أخرى يخفيها باطن الأرض في انتظار زلزال يكشفها؟

ذو صلة