القنابل التي أرعبت العالم تصبح ملاذًا للأسماك والشعاب

3 د
تحولت قنابل الحرب العالمية الثانية في بحر البلطيق إلى موائل لكائنات بحرية متنوعة.
استخدام غواصات مسيّرة وثق الحياة البحرية حول القنابل النازية القديمة.
وفر بحر البلطيق فقير الصخور بيئة نادرة للكائنات على القطع المتفجرة كشعاب صناعية.
تحتوي الذخائر على مواد سامة تثير القلق بشأن التأثير على السلسلة الغذائية.
أظهرت الطبيعة قدرتها على استعادة التوازن وتحويل المخاطر إلى موارد حياة.
في مشهد غير متوقع يكشف عن قوة الطبيعة، اكتشف علماء الأحياء البحرية مجموعة واسعة من الكائنات البحرية وهي تستوطن بقايا قنابل الحرب العالمية الثانية الملقاة منذ عقود في قاع بحر البلطيق.
المسح الميداني الذي أُجري قرب خليج لوبيك على السواحل الألمانية أظهر أن أصداف البحر والسرطانات والنجوم البحرية وشقائق النعمان وحتى الأسماك وجدت في هذه القطع المعدنية المتآكلة بيئة خصبة للنمو، على الرغم من أن هذه الذخائر الصدئة تحتوي على مواد متفجرة وكيماوية سامة. وهذا يعيد إلى الأذهان كيف يمكن للطبيعة أن تفرض حضورها حتى في أكثر البيئات خطورة.
القنابل تتحول إلى شعاب صناعية
العلماء استخدموا غواصات مسيّرة لتوثيق الحياة البحرية التي التصقت بالقنابل المعروفة باسم «في-1»، والتي كانت ضمن ترسانة ألمانيا النازية. المفاجئ أن كثافة الكائنات البحرية على هذه المخلفات ظهرت أعلى من تلك الموجودة في قاع البحر الطيني المحيط، ما يشير إلى أنها تشكل نقاط جذب طبيعية للأحياء الدقيقة والكائنات الكبيرة على السواء. وهذا يربط بين ضعف البنية الطبيعية لقاع البلطيق وظهور هذه المخلفات كمكمل بنيوي صار مصدر حياة.
### بيئة فقيرة تُعيد تشكيل نفسها
بحر البلطيق يفتقر تاريخياً إلى الصخور والبنى الصلبة بسبب عمليات البناء التي أزالت الأحجار منذ قرون، تاركة خلفها طيناً ورمالاً مسطحة. في هذا الفراغ الجيولوجي، ظهرت القنابل المعدنية كأنها أركان بديلة للشعاب المرجانية، لتوفر سطحاً صلباً نادراً للكائنات لكي تعلق وتتغذى وتتكاثر. وهذا يعكس كيف يعيد النظام البيئي ترتيب نفسه ليجد في حطام الحروب فرصة للاستمرارية.
قنبلة موقوتة أم فرصة للحياة؟
لكن الصورة ليست وردية بالكامل. فالتقديرات الرسمية تقول إن المياه الألمانية تحوي ما يقارب 1.6 مليون طن من الذخيرة الملقاة، منها مواد متفجرة مثل مادة الـTNT. هذه المواد معروفة بقدرتها على تسريب مركبات سامة إلى البيئة البحرية، وهو ما يثير مخاوف بشأن تأثيرها التراكمي على الأحياء وعلى السلسلة الغذائية بشكل عام. ومن هنا تأتي أهمية ربط هذه الظاهرة بملف واسع يتعلق بالنفايات العسكرية الغارقة حول العالم.
رغم ذلك، يرى بعض الباحثين أن المشهد يمثل شهادة قوية على قدرة الطبيعة على استعادة التوازن. فالمخلوقات التي شوهدت لم تظهر فقط علامات البقاء، بل بدت وكأنها تنشئ مواطن متكاملة وصحية. وهذا يثير تساؤلات عن قدرة التنوع البيولوجي على التكيف في ظروف قاسية، وربما أيضاً عن حدود تدخل الإنسان في إزالة أو إبقاء هذه المخلفات.
الطبيعة تعيد التدوير
الحالات المشابهة ليست نادرة، فقد أظهرت دراسات في نهر بوتوماك في الولايات المتحدة أن سفناً حربية غارقة منذ الحرب العالمية الأولى صارت ملجأً للأسماك والنباتات. هذه الصلات تعزز فكرة أن البحر يعيد تدوير أدوات الدمار لتكون منصات للبقاء. وهذا يربط بين قصة البلطيق وتجارب عالمية تكشف عن مرونة البيئة البحرية وقدرتها على تحويل المخاطر إلى موارد.
في المحصلة، تقدم هذه المشاهد درساً مزدوجاً: فهي تذكير بمخاطر التلوث الجيواستراتيجي المحفوظ تحت مياه البحار، وفي الوقت نفسه برهان على أن الطبيعة قادرة على استغلال حتى بقايا الحروب لتوليد حياة جديدة. وبين الخطر والأمل، يبقى بحر البلطيق نموذجاً مدهشاً على التفاعل بين التاريخ والبيئة.









