ذكاء اصطناعي

القوة الخامسة الغامضة: هل تفتح باباً جديداً لفهم سر الكون الأعظم!؟

محمد كمال
محمد كمال

4 د

يحاول العلماء كشف "قوة خامسة" لفهم طبيعة المادة المظلمة الغامضة في الكون.

استخدم الباحثون تقنيات قياس دقيقة لتحليل الإشارات المحتملة لهذه القوة الأساسية الجديدة.

يمكن أن تكون "القوة الخامسة" هي المفتاح لتفسير التفاعل بين المادة المظلمة والعادية.

تواصل الفرق البحث بهدف تحسين دقة القياسات لتأكيد فرضياتهم حول القوة الجديدة.

لم يُثبت وجود "القوة الخامسة" بعد، لكن الأبحاث تضع قيودًا على قوتها المتوقعة.

هل تخيلت يوماً أن تفتح باباً يؤدي إلى سر مجهول من أسرار الكون؟ هذا بالضبط ما يحاول العلماء تحقيقه اليوم، مع بحث جديد واعدٍ عن "قوة خامسة" قد تكون المفتاح الذي يفك لغز "المادة المظلمة"، المكوّن الغريب الذي لم يره أحد من قبل لكنه يشكّل غالبية الكون.

في دراسة مثيرة نشرها مؤخراً فريق مشترك من باحثي معهد ETH في زيورخ السويسرية بالتعاون مع علماء من ألمانيا وأستراليا، استطاع الباحثون استخدام تقنيات حديثة وقياسات فائقة الدقة للكشف عن إشارات محتملة لقوة أساسية جديدة، وذلك عبر ما يسمى بـ "التحليل الطيفي الذري فائق الدقة". هذه التقنية تعتمد على قياس دقيق جداً لمستويات الطاقة في ذرات محددة، وتحديداً في نظائر الكالسيوم الغنية بالنيوترونات.

وفي سياق بحثهم الحثيث، يؤكد الباحثون أن الدافع وراء السعي لاكتشاف هذه القوة الخامسة نابع من عجز النموذج القياسي للفيزياء – وهو الإطار العلمي الحالي الذي يشرح تفاعلات الجسيمات الأساسية – عن تقديم تفسير واضح لظاهرة المادة المظلمة. هذه المادة، التي لا يمكن رصدها أو اكتشافها بالأدوات المتاحة لنا حالياً، تفرض وجودها بواسطة الجاذبية فقط، وتؤثر بشكل كبير على حركة المجرات والكون من حولنا.


كيف ستساعد القوة الخامسة في فهم المادة المظلمة؟

الإجابة قد تكمن في وجود جسيم "مجهول" لم نكتشفه بعد، يعمل وسيطاً لهذه القوة الغامضة. لو تم إثبات هذه النظرية، فهذا يعني وجود تفاعل بين جسيمات المادة العادية وبين جسيمات المادة المظلمة عبر هذه القوة الخامسة. وبمعنى أبسط، سيكون لدينا طريق منظم وفهم أوسع لكيفية تأثير المادة المظلمة على الكون وربما على القوانين الأساسية نفسها التي نعرفها.

ومن هنا كانت الفكرة التي يعمل عليها العلماء: إذا ما وجدت حقاً هذه القوة الخامسة، فعلى القياسات الدقيقة والطيف الذري لتلك الذرات أن يظهر تغيراً طفيفاً في مستويات طاقتها بين النظائر المختلفة. تشير الحسابات النظرية إلى أن قوة التفاعل بين النيوترونات والإلكترونات ستكون هي المفتاح لكشف هذه القوة الجديدة، مما سيجعل الذرات ذات نسب نيوترون مختلفة تتفاوت قليلاً في مستويات الطاقة مقارنة ببعضها البعض.

هذا ما دفع الفريق بقيادة البروفيسورة ديانا برادو لوبيز أودي كريك، المختصة بالفيزياء في معهد ETH زيورخ، إلى ابتكار تجربة دقيقة للغاية. استخدم الباحثون تقنيات "حبس الأيونات" التي تعتمد على حصر الذرات الفردية في مكانها بواسطة مجال كهرومغناطيسي، واستخدام أشعة الليزر لتحفيز الانتقالات بين مستويات الطاقة في نظائر الكالسيوم المختلفة. وقد وصلت دقة هذه التجارب إلى مستوى مذهل بلغ 100 ميلي هيرتز فقط، وهو أمر لم يتحقق سابقاً، ليعطي أدق النتائج الممكنة.

ما يثير الإعجاب في هذه التجربة ليس فقط الدقة المذهلة في القياسات، لكن أيضاً قدرتها على استبعاد قوة محتملة إذا كانت تفوق حداً معيناً من القوة. وبحسب لوكا هوبر، الباحث بمرحلة الدكتوراه في المشروع، "فإن درجة تأثير هذه القوة -إذا وُجدت- سترتبط ارتباطاً مباشراً بعدد النيوترونات في النواة الذرية"، مما يجعل هذه النظائر الذرية أداة مثالية لهذه القياسات الدقيقة.

ومع هذا، فإن فريق البحث يوضح بحذر وواقعية أنهم لم يعلنوا حتى الآن عن اكتشاف يقيني لقوة جديدة، لكنهم يضعون حدوداً واضحة لقوتها المحتملة. إن النتائج الحالية تحد من قوة هذه القوة الخامسة المحتملة، مما يساعد العلماء الآخرين في تحديد مسارات البحث المستقبلية بدقة أكبر.

ذو صلة

وبعد النتائج الأولية هذه، لن يقف الفريق مكتوف الأيدي. بل يستمر العلماء الآن بحماس في توسيع نطاق هذه القياسات، بإضافة انتقال طاقي ثالث لنظائر الكالسيوم، والذي من شأنه تعزيز دقة البحث، والسماح باستخلاص نتائج أكثر دقة ووضوحاً. ومن المتوقع أن يمكّنهم هذا التطوير من رسم ما يسمى "مخطط كينغ" بشكل ثلاثي الأبعاد للمرة الأولى، وهو مخطط يساعد على دراسة الفروق الطيفية والطاقة بين النظائر بصورة أوضح وأكثر دقة.

وفي ختام هذه القصة المثيرة، رغم أننا لم نكشف بعد عن القوة الخامسة ولن نستطيع الجزم بوجودها بشكل رسمي، يمكن القول إن هذه الأبحاث قدمت ضغطاً كبيراً على نطاق احتمالات وجود قوة كونية خامسة، واستخدمت تقنيات متقدمة لتحديد معالمها المحتملة. وإذا تمكّن العلماء من تحقيق المزيد من التقدم في دقة القياسات، فقد يكونون على بُعد خطوة واحدة من فتح باب جديد كلياً في الفيزياء، وكتابة فصل جديد حول ألغاز كوننا ومكوّناته غير المرئية. ولعل في المستقبل، قد يتم التركيز بشكل أكبر على "التفاعلات الدقيقة بين الجسيمات الأساسية" وعلى تقنيات قياسية أكثر تطوراً، لتقريبنا أكثر من الحقيقة التي طالما بحثنا عنها.

ذو صلة