ذكاء اصطناعي

الكائن الذي نجا من الزمن… واحتفظ في داخله بسلاح عمره مئة عام!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

تم اكتشاف حربة قديمة في جسد حوت ضخم في المياه الباردة لألاسكا.

تعود الحربة لأواخر القرن التاسع عشر، مما يشير إلى عمر الحوت الطويل.

الحوت أظهر قدرة مذهلة على النجاة والتكيف في بيئة مليئة بالتحديات.

حيتان رأس القوس تُعرف بطول عمرها وقدرتها على مقاومة الظروف القاسية.

تاريخ صيد الحيتان يُظهر الصراع بين الإنسان والطبيعة وتأثيره البيئي الكبير.

مشهد لا يتكرر كثيراً في عالم البحث العلمي: قطعة معدنية صدئة من حربة قديمة اكتُشفت داخل جسد حوت ضخم في مياه ألاسكا، لتعيد معها فصولاً من التاريخ وتطرح أسئلة مذهلة عن طول عمر الكائنات البحرية وقدرتها على النجاة.

في عام 2007، وبينما كان بعض صيادي الإنويت يمارسون صيدهم التقليدي في سواحل ألاسكا، عثروا على ما بدا أنه جسم معدني غريب مغروس في جسد حوت رأس القوس، أحد أضخم المخلوقات في المحيطات الباردة. سرعان ما تبين للعلماء أن هذا الجسم ليس سوى بقايا حربة تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، ما يعني أن الحوت كان حياً منذ أكثر من مئة عام حين أصيب بها. هذا الاكتشاف المدهش سلط الضوء من جديد على التاريخ الطويل لعلاقة الإنسان بهذه الثدييات البحرية العملاقة.

وهنا يبدأ الرابط المدهش بين الماضي القاسي لعصر صيد الحيتان وما نعرفه اليوم عن قدرة هذه الكائنات على البقاء رغم التحديات القاسية.


ذاكرة من الحديد داخل كائن أرشيفي

التحليل الذي أجراه المؤرخ البحري جون بوكستوس من متحف نيو بيدفورد للحيتان كشف أن الحربة المستخدمة كانت من نوع “الرماح المتفجرة” التي اشتهرت بين عامي 1885 و1895 في ذروة صناعة صيد الحيتان الأمريكية. هذا التفصيل جعل العلماء يقدّرون عمر الحوت بما لا يقل عن 115 عاماً، ليصبح بذلك أحد أقدم الثدييات التي عُرفت على الأرض.

لكن الأدهى أن وجود هذا السلاح في جسده لم يمنعه من العيش لعقود طويلة، ما يدل على مقاومة مذهلة للجروح والأمراض ودرجة تكيف عالية مع بيئة قاسية يغلب عليها الجليد والتيارات القطبية.

وهذا الاكتشاف يعيدنا إلى الحديث عن **حيتان رأس القوس** ذاتها، التي تعد من أكثر المخلوقات قدرة على تحدي الزمن.


أبطال البقاء في المحيط المتجمد

حيتان رأس القوس تُعرف بقدرتها على تحمّل درجات حرارة متجمدة تصل إلى ما دون الصفر، بفضل طبقة سميكة من الدهن يصل سمكها إلى نصف متر تقريباً، وهي ما يمنحها الدفء والطاقة أثناء غطسات طويلة تحت الجليد. ويقول العلماء إن هذه الحيتان تستطيع العيش أكثر من مئتين عام، ما يجعلها أطول الثدييات عمراً على الأرض. وقد توصل الباحثون إلى هذه التقديرات عبر دراسة بروتينات معينة في عدسة العين تساعد في تحديد عمر الكائن بدقة مذهلة.

ومن المثير أن بقاء هذا الحوت رغم إصابته قبل أكثر من قرن يشير إلى أن جهازه المناعي والتجدد الخلوي لديه قدرة استثنائية على الإصلاح والمقاومة.

هذا يقودنا إلى الوجه الآخر من القصة: كيف شكّل الإنسان أكبر تهديد لهذه المخلوقات عبر التاريخ.


التاريخ الأسود لصيد الحيتان وبذور التعافي

خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كانت صناعة صيد الحيتان أحد أعمدة الاقتصاد البحري في شمال أمريكا وأوروبا، إذ استخدمت زيوتها لإضاءة المدن وتشغيل الآلات. إلا أن هذا الازدهار انعكس دماراً بيئياً على الحيتان، خاصة حيتان رأس القوس التي كادت تنقرض، بعدما تراجعت أعدادها إلى أقل من ثلاثة آلاف في نهاية القرن التاسع عشر.

ذو صلة

لكن منع الصيد التجاري في عام 1921 غيّر المعادلة. ومع مرور الزمن، بدأت هذه الحيتان تستعيد عافيتها ببطء، لتصل أعدادها اليوم إلى ما بين عشرة آلاف وثلاثة وعشرين ألفاً وفق تقديرات الباحثين. والحربة التي اكتُشفت عام 2007 باتت رمزاً صارخاً لتاريخ طويل من الصراع بين الطبيعة والجشع البشري، وبين الفناء والأمل في الاستمرار.

ختاماً، يذكّرنا هذا الاكتشاف بأن الحياة البحرية لا تزال تُخفي قصصاً أعظم من الخيال، وأن قطعة حديد صغيرة يمكن أن تُخلّد حكاية قرن كامل من البقاء والتحدي في أعماق المحيط المتجمد الشمالي.

ذو صلة