المفاجأة الجيولوجية: مخلفات الصناعة تتحول لصخور صلبة في 40 عامًا فقط!

4 د
اكتشف علماء الجيولوجيا في كامبريا تحول مخلفات صناعية إلى صخور خلال 35 عامًا فقط.
أطلق على هذه الظاهرة مسمى "دورة الصخر الأنثروبوجينية"، حيث ينتج الإنسان صخورًا اصطناعية.
تؤثر هذه الصخور الصناعية سريعًا على السواحل وقد تسبب تسربات ضارة للبيئة.
يناقش العلماء احتمالية استخدام هذه الصخور لاحتجاز الكربون، مع التحذير من مخاطرها.
تشير الاكتشافات إلى دخول عصر جديد يسمى "الأنثروبوسين"، يؤكد مسؤوليتنا البيئية المستدامة.
هل تخيلت يومًا أن تجد علبة مشروب معدنية أو قطعة نقدية حديثة مدفونة في صخرة صلبة؟ هذا ما اكتشفه فريق من علماء الجيولوجيا على شواطئ منطقة كامبريا في إنجلترا؛ في كشفٍ علمي مذهل قد يغيّر مفاهيمنا عن الصخور وتكويناتها عبر التاريخ.
فبحسب الأبحاث الجديدة التي قادتها الدكتورة أماندا أوين من جامعة غلاسكو، تحولت مخلفات صناعة الصلب المعروفة بالخبث الصلب إلى نوع جديد من الصخور المتحجرة خلال مدة تقارب 35 عامًا فقط! وهو رقم قياسي يختلف تمامًا عن مفهومنا المعتاد حول سرعة تشكُّل الصخور التي تستغرق آلافًا وملايين من السنين عادة.
دورة صخرية جديدة من صنع الإنسان
أطلق الباحثون على هذا التحول السريع مصطلح "دورة الصخر الأنثروبوجينية" أو "Anthropoclastic Rock Cycle"، وهذا يعني باختصار أن الإنسان تسبب بإنتاج صخور بطريقة اصطناعية. وقد تبين أنّ تركيبة المخلفات المتأتية من صناعة الصلب مهيأة منذ البداية لتحولّها السريع إلى صخور، بشكلٍ أسرع كثيرًا من العمليات الطبيعية العادية التي تحتاج لضغط كبير وزمن طويل جدًا.
الدكتور جون ماكدونالد، الذي شارك في الدراسة ويعمل في جامعة غلاسكو، أكد أنهم وجدوا أدلة لطيفة ومدهشة للغاية ساعدت في تحديد مدّة تكوين هذه الصخور الجديدة. فمثلاً، عثر العلماء على عملة نقدية تحمل اسم الملك جورج الخامس تعود لعام 1934، إضافة إلى غطاء علبة ألومنيوم يعود ابتكاره إلى سنة 1989، ليؤشر ذلك تحديدًا إلى أن هذه الصخور لا يمكن أن تكون تكوّنت قبل 35 عامًا على الأكثر.
ومن المعروف أن الصخور الرسوبية الطبيعية تتطلب ترسُّب حبيبات الرمال والطين ثم الضغط والتماسك بمواد لاصقة كيميائية على مر ملايين السنين. لكن مع هذا الصخر الجديد، فإن مخلفات الإنتاج الصناعي تحوي المركّبات اللازمة أصلًا، لهذا تختصر المرحلة وتشكّل هذه الصخور بسرعةٍ فائقة.
تأثيرات بيئية وتغيرات على السواحل
لا يقتصر تأثير هذه الصخور الجديدة على الجانب العلمي فقط، بل يتجاوز ذلك إلى البيئة والطبيعة المحيطة. فانتشار مثل هذه الصخور الصناعية على السواحل يؤدي إلى تغيير شكل الشواطئ ويؤثر في حركة الأمواج والتيارات، وربما يؤدي إلى تغيرات في معدلات التعرية بالرمال والصخور الطبيعية المجاورة.
كما أشار الدكتور ديفيد براون، ضمن في حديثه حول هذا الاكتشاف، إلى المخاطر المحتملة بشأن تسربات القلويات والمعادن الثقيلة من هذه الصخور، ما قد يتسبب بأضرار محتملة على الحياة البحرية والكائنات الحية على السواحل. وأضاف براون أن سرعة التحول المفاجئ هذه تدعونا إلى إعادة التفكير بسرعة في الأماكن التي نلقي فيها هذه المخلفات، لتفادي أي أثر سلبي على البيئة على المدى البعيد.
ومن جهة أخرى، يعلق الباحثون أملًا على إمكان استثمار هذه الظاهرة كحلول مبتكرة لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون ضمن تشكيلات اصطناعية، إذ أن تفاعلات تصلب هذه المخلفات يمكن أن تساهم في امتصاص الكربون من الجو. لكنهم بالمقابل أشاروا إلى ضرورة التأكد من أي آثار جانبية ومخاطر محتملة حول ذلك، قبل التفكير بالتوسع في تطبيقها.
هل دخلنا حقبة جيولوجية جديدة؟
لطالما ناقش العلماء فكرة دخول البشرية لعصر يسمى "الأنثروبوسين"، وهي فترة زمنية متميزة بأنشطة الإنسان التي غيرت بالفعل كوكب الأرض والكثير من خصائصه الجيولوجية والطبيعية.
ويُعتقد أن هذا الصخر الجديد المُصطنع يأتي كدليل إضافي على وجود الأنثروبوسين، فعبر دولٍ عدة من بريطانيا إلى إسبانيا وحتى الولايات المتحدة، توجد عشرات المواقع التي شهدت تحولًا مشابهًا لمخلفات المصانع إلى صخور صلبة حديثة.
هذا التداخل بين ما تصنعه يد الإنسان والطبيعة يطرح تساؤلات كبيرة حول مسؤوليتنا نحو الكوكب وآليات تعاملنا مع مواردنا الصناعية وإعادة تدويرها بصورة أكثر استدامة واحترامًا للمحيط الحيوي من حولنا.
ختامًا، وبدلاً من القبول بحقيقة أن النفايات الصناعية ستظل عبئًا بيئيًا، يجب استغلال هذه الاكتشافات لفهم ظروف تشكّل هذه الصخور الجديدة بصورة أفضل، لكي نطور سياسات بيئية أكثر ذكاءً تأخذ بالحسبان آثارها المحتملة. ومن المهم في التغطيات المستقبلية تعزيز توضيح الوصف العلمي لهذه الظاهرة بطريقة أسهل واستبدال بعض المصطلحات الثقيلة بمفردات بسيطة كالحديث عن، "التحجر الصناعي" أو "الصخور الاصطناعية"، وكذلك الربط مع آثارها البيئية المحتملة بشكل أوضح. لأن فهم هذا التحول الجديد قد يكون بداية طريقنا إلى إدراك أفضل لمسؤولياتنا تجاه الأرض وكائناتها ومستقبلنا معًا.