اندماجٌ كونيٌ عظيم: اكتشاف علمي يصدم الفلك ويغيّر مفاهيم الثقوب السوداء

3 د
رصد علماء الفلك اندماجًا بين ثقبين أسودين عملاقين كان يُعتقد استحالته.
أحدث الفيزيائيون مفاجأة بهذا الاكتشاف الذي يناقض معظم النظريات السائدة حول تطور الثقوب السوداء.
أكد الباحثون أن سرعة دوران الثقبين قبل الاندماج كانت فائقة، مما يولد موجة جاذبية هائلة.
يشكل هذا الاكتشاف تحديًا في دراسة الفيزياء الفلكية وتطوير الأدوات النظرية المتاحة.
ستعرض نتائج الاكتشاف في مؤتمر دولي ليبحث العلماء عن أجوبة وفهم أعمق للكون.
تخيل معي لحظةَ تصادم مرعبة تحدث في أعماق الفضاء، حيث يفوق حجم الاصطدام كل ما يمكنك تصوّره. هذا ببساطة هو الحدث الذي استطاع علماء الفلك رصده مؤخراً، وهو اندماجٌ بين ثقبين أسودين عملاقين لم يكن يُعتقد سابقاً أنه من الممكن حدوثه إطلاقاً.
هذا الكشف المثير، والذي أعلن عنه فريق مرصد ليغو (LIGO) مؤخراً، يأتي عبر بيانات إشارة حملت الرمز "GW231123”، التي تم التقاطها في 23 نوفمبر 2023. كانت النتيجة النهائية لهذا الاندماج الكوني ثقباً أسودَ عملاقاً تصل كتلته إلى أكثر من 225 مرة كتلة شمسنا، وهو رقم يجعل العلماء في حيرة حقيقية.
لماذا يرفض علماء الفيزياء قبول هذا الاكتشاف؟
قد تتساءل: ما الذي يجعل هذا الحدث العنيف يفاجئ العلماء لهذه الدرجة؟ الحقيقة أن هذا الاندماج ليس فقط أكبر ما تم رصده حتى الآن من حيث الكتلة، بل أنه يتعارض مع أغلب النظريات المعروفة حول تطور النجوم والثقوب السوداء. يُعتقد عادة أن الثقوب السوداء بهذا الحجم الهائل لا يمكن أن تتكون بسهولة من اندماج نجوم ضخمة، بل من خلال سلسلة معقدة من عمليات الاندماج بين ثقوب سوداء أصغر حجماً.
وأكد مارك هانام، أحد أعضاء فريق ليغو من جامعة كارديف في تصريح رسمي بهذا الصدد: "بحسب نظرياتنا السائدة، حدوث مثل هذا الاندماج كان يجب أن يكون مستحيلاً. أحد الاحتمالات لدينا هو أن الثقبين الأسودين اللذين رصدناهما نشأا من اندماجات سابقة لثقوب سوداء أصغر حجماً. هذا الاندماج يضعنا أمام تحديات جدية لفهمنا الحالي لطريقة تشكل الثقوب السوداء في الكون".
ومن الملفت للنظر أيضاً مدى سرعة دوران الثقبين الأسودين قبل الاندماج؛ إذ وصلت سرعة دورانهما إلى حوالي 400 ألف مرة أسرع من دوران الأرض حول نفسها، لتولد موجة جاذبية هائلة استغرقت رحلتها نحو الأرض لحظة زمنية قصيرة لا تتجاوز 0.1 ثانية.
وهذا يشير إلى تعقيد كبير في الظاهرة التي التقطها الباحثون، وهو ما أكده أيضا تشارلي هوي من جامعة بورتسموث البريطانية، قائلاً: "هذه العملية تجعل من موجات الجاذبية أكثر صعوبة في الدراسة والتحليل، وتُعد مثالاً مثالياً لتعزيز تطوير الأدوات النظرية لدينا في الفيزياء الفلكية."
وبعيداً عن الجانب النظري، يُعد مرصد ليغو (LIGO) إنجازاً بشرياً رائداً في علم الفلك، حيث أصبح قادراً عام 2015 على اكتشاف موجات الجاذبية للمرة الأولى في تاريخ العلوم. هذه الملاحظات التي تخترق الزمكان بسرعات الضوء ودون اعتماد على الأشعة الضوئية المرئية، فتحت لنا نافذة جديدة تماماً نحو استكشاف الكون، ليصل عدد الإشارات التي راقبها المرصد حتى الآن إلى أكثر من 300 اندماج للثقوب السوداء وعلى رأسها هذا الحدث الاستثنائي الأخير.
وسيعرض الفريق نتائج هذا الاكتشاف غير المسبوق إلى المجتمع العلمي وللعالم بأسره خلال المؤتمر الدولي الـ 24 حول النسبية العامة والجاذبية، في مدينة غلاسكو بالمملكة المتحدة خلال الأسبوع المقبل. وسيبدأ بعدها نشر البيانات للبحث والتحليل من قبل العلماء حول العالم، في سباق علمي لاستجلاء أسرار هذه الظاهرة الغامضة، وهو ما قد يستغرق سنوات عديدة، بحسب تعبير غريغوريو كارولو من جامعة برمنغهام الإنجليزية وأحد أعضاء ليغو.
ولا شك أن أهمية مثل هذه الملاحظات لا تقتصر فقط على فهم أشمل للثقوب السوداء، بل من الممكن أن تنير أمامنا الطريق أيضاً لفهم أفضل للنجوم البعيدة، فضلاً عن ظواهر كونية غامضة أخرى مثل المادة المظلمة.
أخيراً، لا شك أن هذا الكشف العلمي المذهل قد فتح أبواباً جديدة لتحديات بحثية ضخمة أمام العلماء، ويتوقع أن ينشغل الباحثون لسنوات قادمة بالبحث عن أجوبة قد تعيد صياغة معرفتنا للكون ونظريات تكوينه وتطوره. لكن وبلا شك، فإن ما رصده علماء ليغو سيدفع بكل تأكيد نحو اكتشافات أوسع وأكثر إثارة في المستقبل القريب، وهو ما يجعلنا نترقب بشغف تلك الأبحاث القادمة وقدرتها على إيصالنا إلى إجابات تساهم في كشف غموض الكون أكثر فأكثر.