ذكاء اصطناعي

بدقة تفوق 80%: الكمبيوتر الكمي يحاكي ظاهرة معقدة عند درجة حرارة الصفر

محمد كمال
محمد كمال

3 د

حقق فريق علماء دولي إنجازًا بمحاكاة كسر التناظر التلقائي باستخدام حاسوب كمي.

تمكنوا من محاكاة هذه الظاهرة عند درجة حرارة الصفر بدقة تجاوزت 80%.

ظاهرة كسر التناظر التلقائي تنتقل بالنظام من حالة تناظرية إلى حالة مغايرة تلقائيًا.

استخدم الباحثون قدرات الحوسبة الكمية لمحاكاة الظروف الخاصة باستخدام كيوبتات فائقة التوصيل.

هذه النتائج تعزز فهمنا لظواهر الكون المعقدة باستخدام الحواسيب الكمية.

في إنجاز علمي جديد، تمكن فريق دولي من العلماء من استخدام حاسوب كمي قائم على تقنيات فائقة التوصيل لمحاكاة ظاهرة "كسر التناظر التلقائي" (Spontaneous Symmetry Breaking - SSB) عند درجة حرارة الصفر للمرة الأولى وبمعدل دقة تجاوز الـ80 بالمئة. هذا النجاح المميز الذي نشر مؤخراً في مجلة "نيتشر كوميونيكيشنز" Nature Communications، يمثل لحظة أساسية في الطريق نحو تطوير الكمبيوتر الكمي وعلم فيزياء المواد المكثفة.

ويُقصد بـ "كسر التناظر التلقائي" تغيرٌ مفاجئ في ترتيب الجسيمات داخل نظام فيزيائي ينتقل به من حالة أصلية متناظرة إلى حالة أخرى يتفكك فيها التناظر تلقائيًا. ولكي نوضح هذه الظاهرة ببساطة، لنفترض أنك قمت بوضع قلم في وضع عمودي على رأسه، هذا الوضع فيه تناظر، ولكن عند سقوطه يتفكك هذا التناظر ويأخذ وضعًا أفقيًا على طاولة، هذه هي فكرة كسر التناظر ولكن على المستوى الدقيق للجسيمات.


من الحالة المضادة إلى الحالة المتناغمة

بدأ العلماء النظام الفيزيائي في حالة "مضادة لمغناطيسية"، وهي حالة تتناوب فيه اتجاهات ما يسمى "اللف المغزلي" (سبين) للجسيمات بين اتجاهين متعاكسين، ثم تطور النظام بشكل تلقائي إلى حالة "مغناطيسية متناغمة" (فيرومغناطيسية)، حيث تتجه كل اللفات المغزلية للجسيمات بنفس الاتجاه، في تطور مثير يبرز ما يحدث من ترابط كمي قوي، أو ما يعرف بـ "التشابك الكمي".

وأوضح الفيزيائي آلان سانتوس، المشارك الرئيسي في البحث، أن "النظام كان يبدأ في تكوين تناوبي، ثم تطور بشكل تلقائي ليأخذ حالة موحدة الاتجاهات. هذا الانتقال بين الحالتين يشرح عملية كسر التناظر التلقائي".

ويذكر أن سانتوس كان في وقت إجراء الدراسة زميلًا بحثيًا في جامعة ساو كارلوس الفيدرالية بالبرازيل، وهو يعمل حاليًا باحثًا في معهد الفيزياء الأساسية في إسبانيا.

وتأتي أهمية هذه التجربة نظرًا لأنها المحاكاة الأولى لظاهرة كسر التناظر التلقائي عند درجة حرارة الصفر تحديدًا. وتجدر الإشارة إلى أن "درجة حرارة الصفر المطلق" حالة نظرية يستحيل تحقيقها عمليًا في المختبرات؛ كونها تعني توقفًا تامًا للحركة الجزيئية.

ولتجاوز هذه العقبة، استعان الباحثون بقدرات الحوسبة الكمية لمحاكاة تلك الظروف الخاصة جدًا، باستخدام دائرة كمومية صممت من خلال سبعة وحدات كمية ("كيوبتات") فائقة التوصيل، تمت برمجتها لتحاكي تطور الحالة ضمن شروط محكمة من التفاعل بين الجسيمات الأقرب بعضها لبعض فقط.

وكان قياس "إنتروبيا رينيي"، وهي تقنية رياضية يستخدمها علماء الفيزياء لقياس درجة التشابك الكمي بين الجسيمات، مفتاحًا هامًا في التعرف على الانتقال الطوري وإثبات حدوث "كسر التناظر التلقائي".


الحوسبة الكمية.. أداء أعلى وسرعة خارقة في العمليات

ولتوضيح أهمية الحوسبة الكمية بمثال عملي مبسط، تخيل أن لديك مجموعة من المفاتيح تحاول الوصول إلى المفتاح الصحيح لفتح باب، الحاسوب التقليدي سيجرب المفتاح تلو الآخر متتابعًا، أما الحاسوب الكمي فيمكنه تجربة عدد كبير من المفاتيح في وقت واحد، مما يقلل الوقت بشكل كبير.

وقال سانتوس في هذا الصدد إن "ما يميز الحوسبة الكمية هو قدرتها على استخدام خصائص التشابك والتراكب الكمي لحل مسائل شديدة التعقيد بسرعة لا يمكن للحواسيب الكلاسيكية أن تصلها في زمن معقول".

تم تنفيذ هذه التجربة الرائدة في جامعة الجنوب للعلوم والتكنولوجيا بشينزين في الصين، التي تضم أحدث المعامل في مجال الحوسبة الكمية. ويعد استخدام هذه الكمبوتارات ذات الكيوبتات فائقة التوصيل ميزة كبيرة لما توفره من إمكانية التوسع وتشكيل شرائح تحتوي على مئات من الوحدات الكمية.

ومن الجدير بالذكر أن ظاهرة "كسر التناظر التلقائي" لها أهمية قصوى في الفيزياء وهي التي تقف وراء ظهور أهم البنى التنظيمية في الطبيعة، بدءاً من الجزيئات الدقيقة وحتى المجرات.

ذو صلة

هذه النتائج المهمة التي توصل إليها العلماء ستفتح أبوابًا جديدة لاستخدام الحواسيب الكمية في المزيد من الأبحاث المتطورة في الفيزياء النظرية والتجريبية، وربما تشكل مفاتيح لفهم أعمق للكون وظواهره المعقدة.

ورغم عمق الموضوع المتناول في هذه الدراسة، إلا أنه يمكن للباحثين في التجارب المستقبلية تحسين توضيح المفاهيم التجريبية المبسطة باللغة السهلة للقراء، وربطها بتطبيقات الحياة اليومية، لجذب فئات أكثر تنوعًا من الجمهور واستقطاب اهتمام أوسع تجاه التطورات العلمية الكبيرة في مجالات الحوسبة وتقنيات الكم.

ذو صلة