بركان خامد يخبئ أكبر حضانة طبيعية لأسماك الراي!

3 د
اكتشاف حضانة ضخمة لبيض سمك الراي في بركان خامد تحت الماء قرب كندا.
حرارة الأرض تحفز التنوع البيولوجي وتخلق بيئة خصبة للشعاب المرجانية والأسماك.
الباحثون سجلوا ملايين البيوض المحمية في بيئة بحرية غير اعتيادية.
استغلال الطاقة الحرارية يعكس مرونة الكائنات البحرية في التكيف مع الظروف القاسية.
الاستكشاف البيئي المتوازن مهم في ظل تهديدات التعدين البحري وتغير المناخ.
في أعماق المحيط الهادئ، وعلى بُعد أميال من جزيرة فانكوفر الكندية، توصل علماء الأحياء البحرية إلى اكتشاف مذهل: بركان تحت الماء كان يُعتقد أنه خامد، تبيّن أنه ينبض بالحياة ويحتضن واحدة من أندر الظواهر الطبيعية – حضانة طبيعية ضخمة لبيض سمك الراي الأبيض. هذا الاكتشاف غير المتوقع أعاد تعريف العلاقة بين النشاط الجيولوجي والكائنات البحرية في البيئات القصية.
حرارة من باطن الأرض تحيي المحيط
بدأت القصة عام 2019، عندما أطلق فريق من وزارة مصايد الأسماك والمحيطات الكندية مهمة استكشافية لمسح جبل بحري ارتفع قرابة 1100 متر عن قاع المحيط. التقديرات الأولية أشارت إلى أنه مجرد صخرة بركانية قديمة فقدت نشاطها منذ ملايين السنين. لكن المفاجأة كانت أن فتحات حرارية نشطة تنفث مياه غنية بالمعادن، ما يعكس أن البركان ما زال يحتفظ بقدر من حرارة باطن الأرض. وهنا ظهر الرابط المباشر بين الظواهر الجيولوجية وسبل ازدهار التنوع الحيوي في أعماق البحار.
هذا الترابط بين الحرارة الصادرة من الأرض وبين الكائنات الدقيقة والكبيرة يفسر البيئة الخصبة التي جذبت الشعاب المرجانية والإسفنج إلى جانب أسماك الراي، وهو ما أثار اهتمام العلماء إلى أبعد الحدود.
ملايين البيوض في حضانة غير مألوفة
المشهد الأكثر إثارة كان في قمة البركان – على عمق يقارب الكيلومتر – حيث سجّل الباحثون انتشاراً هائلاً لبيض سمك الراي الأبيض، أعداد قُدّرت بمئات الآلاف وقد تصل إلى المليون. كل بيضة محمية بغلاف قوي يصل طولها إلى نصف متر تقريباً، وهي استراتيجية تكيفية تضمن تزويد الأجنة بالمغذيات اللازمة لمواجهة صعوبة الحياة في بيئة باردة ومعتمة. وهنا يظهر الرابط مع البيئة الحرارية التي تختصر زمن الحضانة الذي قد يصل عادة إلى أربع سنوات في أعماق باردة لا تعرف النور.
تكيّف بارع مع بيئة قاسية
ما يثير الدهشة أن هذه الكائنات لم تجد في البركان تهديداً، بل ملجأً يوفر لها الدفء والأمان النسبي، إضافة إلى أرضية أكثر استقراراً لصغارها قبل انطلاقهم نحو الأعماق الأكثر غموضاً. هذا الاستخدام الذكي للطاقة الحرارية الجوفية يعكس مرونة مذهلة في قدرة الحياة البحرية على استغلال فرص بيئية غير متوقعة. وهكذا، فإن البركان لا يُعدّ مجرد معلم جيولوجي، بل نظاماً بيئياً متكامل الطابع.
وبينما يُقارن العلماء هذا الموقع بالبيئات الغنية حول فتحات غواصة قرب جزر غالاباغوس، فإن الرابط الأوضح هنا هو إظهار قدرة المحيطات على الاحتضان والإبداع في أصعب الظروف.
دروس للمستقبل وحماية ضرورية
هذا الاكتشاف ليس مجرد خبر علمي مثير، بل رسالة واضحة حول أهمية صون الأنظمة البيئية العميقة. فبين التعدين البحري المرتقب وتغير المناخ الذي يهدد المحيطات، يبدو أن حماية هذه النظم الطبيعية مسألة مصيرية. إن ما عُثر عليه عند بركان فانكوفر يضعنا أمام سؤال أكبر: كم من العجائب الأخرى ما زالت مدفونة في أعماق لم نطأها بعد؟
الخاتمة
تؤكد هذه الرحلة أن المحيطات لا تزال تخبئ أسراراً قادرة على قلب فهمنا للحياة على الأرض. بركان واحد كان كافياً ليكشف عن حضانة طبيعية تستضيف مليون كائن جديد، ويذكّرنا بأن الاستكشاف العلمي المتوازن مع الحماية البيئية هو السبيل الوحيد للحفاظ على هذا الإرث الكوكبي الفريد.









