بطارية ثورية تتيح للعلماء التحكم في التشابك الكمي وإعادة صياغة قوانين الفيزياء

3 د
بطارية "التشابك الكمي" تحدث قفزة كبرى في فهم فيزياء الكم.
تعمل البطارية على تخزين التشابك بين الجسيمات وتسمح بتحويل حالات التشابك بكفاءة.
التقنية تتجاوز حدود الاتصال التقليدي وتتيح تسريع التطبيقات الكمية المتقدمة.
الاكتشاف يمهد لتطبيقات عملية تشمل الشبكات الكمية والحوسبة العالية.
العلماء يتوقعون أن يساهم الاكتشاف في توسيع الفهم الشامل للموارد الكمية المستقبلية.
هل تتخيل عزيزي القارئ أن قوانين الفيزياء يمكن إعادة كتابتها من جديد؟ قد يبدو الأمر خيالياً، ولكن هذا بالضبط ما توصل إليه فريق دولي من الباحثين مؤخراً، من خلال تطوير بطارية "التشابك الكمي"، والتي أحدثت قفزة كبرى في فهم واستغلال ظاهرة التشابك التي طالما اعتبرت عقبة في وجه العلماء.
التشابك الكمي، الذي يشكّل أحد أكثر مفاهيم ميكانيكا الكم غرابةً وقوة، ينشأ عندما يرتبط جسيمان مع بعضهما بشكل يجعل خصائصهما مرتبطة بشكل وثيق، حتى لو فصلتهما مسافات شاسعة. وهذا يعني أنه بمجرد قياس إحدى الجسيمات المتشابكة، نستطيع معرفة خصائص الجسيم الآخر بدقة فورية. الظاهرة التي اعتبرت في السابق مجرد فلسفة خيالية وتجريباً بعيداً عن الواقع أصبحت اليوم ركناً أساسياً في تقنيات الكم الحديثة مثل الحوسبة الكمية والأمن السيبراني الكمي.
لكن رغم هذه التطبيقات الهائلة للتشابك، بقيت مشكلة استغلاله معقدة جداً بسبب استحالة عكس أو تحويل حالاته بسهولة. وبالتحديد، اعتبر الفيزيائيون لفترة طويلة أن التعامل مع التشابك يشبه في تعقيده قواعد القانون الثاني للديناميكا الحرارية، وهو القانون الذي يقول إن الأمور تتجه عادةً نحو الفوضى، وأن عكس هذه الحالة نحو النظام الكامل بشكل مثالي يُعد أمراً نادراً للغاية.
بطارية التشابك الكمي: الحل المبتكر لتحقيق "المستحيل"
أمام هذا التحدي، نجح فريق بحثي بقيادة العالم ألكسندر ستريلتسوف في تطوير نموذج ثوري يسمى "بطارية التشابك الكمي"—وهي فكرة مستوحاة من البطاريات التقليدية التي نستخدمها يومياً لكن مع اختلاف جذري: فهذه البطارية لا تخزن الكهرباء أو الطاقة المعتادة، بل إنها تخزن وتزود بـالتشابك الكمي نفسه.
الفكرة أكثر بساطة مما تبدو، فالبطارية الكمية تسمح لعنصرين منفصلين ومتباعدين، يطلق عليهما في الفيزياء "أليس" و"بوب"، بتحويل حالة التشابك بين جسيماتهما دون فقدان أي جزء من هذا التشابك. بمعنى آخر، تسمح لهما بإجراء تحويلات عكسية ومستمرة بين الحالات المختلفة للتشابك بكفاءة تامة، وهو ما كان يُعتبر في السابق مستحيلاً عملياً بسبب القيود الفيزيائية وقواعد الاتصال التقليدية (مثل استخدام الهاتف أو الإنترنت).
إن هذه التقنية الجديدة تقدّم حلاً ذكياً وظريفاً: يستطيع أليس وبوب، إذا قاما بمشاركة هذه البطارية الكمية كمصدر إضافي في منظومة التشابك الخاصة بهما، أن يتجاوزا بشكل فعّال حدود الإجراء المحلي والاتصال التقليدي (LOCC)، دون أن تحد قوانين الفيزياء من قدرتهما على التعامل مع التشابك بشكل تام وعكسي.
البطارية الكمية: بوابة لتقنيات المستقبل
ولم تقتصر أهمية هذا الاكتشاف على مجرد حلّ معضلة فيزيائية نظرية محضة، بل يتوقّع العلماء بفضل هذه البطارية الثورية أن تصبح هناك تطبيقات عملية متنوعة، تشمل شبكات الاتصال الكمية المعقدة، وحتى تكنولوجيات الاتصالات والحوسبة فائقة التطور التي ستكون سائدة خلال السنوات القادمة.
ويعتقد الباحثون أن استخدام هذه البطارية قد يوفر أساساً معرفياً أوسع، يسمح بإعادة تأكيد فكرة إمكانية تحويل الحالات والتلاعب بالموارد الكمية الأخرى، مثل التماسك والطاقة الحرة، على نحو عكسي تماماً ومن دون خسائر أو محدوديات ملحوظة.
ويؤكد د. ستريلتسوف أن أهمية هذا الاكتشاف تتجاوز التشابك الكمي فقط، ويقول: "يمكننا التوسع بهذه الفكرة إلى موارد كمية أخرى مختلفة وإنشاء إطار شامل تقدم من خلاله بطاريات كمية أخرى، لا تُفقد خلالها مصادر التماسك والطاقة الحرة."
بهذا الاكتشاف، بدأت مرحلة جديدة من التلاعب والسيطرة في عالم فيزياء الكم والتقنيات المستقبلية، وتُعد هذه الخطوة انطلاقة قوية نحو فهم أعمق وأداء أفضل في مختلف المجالات الكمية. ويبقى أمام العلماء تحديات كثيرة مثل تحسين الفهم العملي لهذه المفاهيم التقنية الدقيقة، واختيار مصطلحات قوية وسلسة لإيصال هذه المعاني للقارئ العادي بشكل أكثر وضوحاً وإثارة، وفي ذلك كله تنطلق الفيزياء الحديثة نحو آفاق جديدة تتجاوز الخيال الحالي.