ذكاء اصطناعي

بعد 140 مليون عام من الغياب… القارة الثامنة تعود إلى النور!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشف علماء جيولوجيا قارة "أدريا الكبرى" المفقودة أسفل جنوب أوروبا.

أسهمت حركة الصفائح التكتونية في دفن القارة قبل أكثر من 100 مليون عام.

استخدم الفريق بيانات مغناطيسية وموجات زلزالية لرسم خريطة القارة.

تشير الدراسات إلى أن "أدريا الكبرى" تؤثر في نشاط زلزالي من إيطاليا لتركيا.

يسلط الاكتشاف الضوء على توزيع الثروات المعدنية ويفتح آفاقًا جديدة للتنقيب.

في اكتشاف مذهل يعيد رسم خريطة التاريخ الجيولوجي للأرض، أعلن فريق من العلماء عن تحديد بقايا قارة ضخمة مفقودة كانت مدفونة تحت جنوب أوروبا، واصفين إياها بأنها القارة الثامنة المنسية التي عاش جزء منها فوق سطح البحر قبل أن تبتلعها حركة الصفائح التكتونية قبل ما يزيد على مائة مليون عام.

بداية القصة تعود إلى دراسة مطوّلة نشرها باحثون من جامعة "أوترخت" الهولندية بقيادة البروفيسور دووي فان هينسبرغن، الذين أمضوا أكثر من عشر سنوات في إعادة بناء خريطة قديمة للقشرة الأرضية. أطلق الفريق على هذه الكتلة اليابسة اسم **"أدريا الكبرى" (Greater Adria)**، وهي قارة بحجم غرينلاند تقريبًا كانت قائمة بين قارتي غوندوانا وأوراسيا. ومع مرور الزمن ونتيجة لحركة الصفائح الأرضية، انزلقت أجزاء كبيرة منها تحت أوروبا، بينما اندمجت طبقاتها العليا في سلاسل جبال مثل الألب والأبينيني والبلقان.

ومن هنا يبدأ الربط مع فهمنا الأوسع لحركة الأرض المستمرة، إذ يوضح العلماء أن "أدريا الكبرى" انفصلت تدريجيًا عن شمال إفريقيا قبل نحو 220 مليون عام، ثم اندفعت شمالًا لتصطدم بأوراسيا، مما أدى إلى عملية اندساس هائلة دفعت معظمها إلى أعماق القشرة الأرضية، في حين شكّلت البقايا السطحية منها معالم طبيعية ما زالت قائمة حتى اليوم.


خريطة الماضي تكشف واقع الحاضر


لرسم هذه الخريطة الدقيقة، استخدم الباحثون بيانات مغناطيسية لأكثر من ألفَي موقع صخري في ثلاثين دولة، إلى جانب تحليل الموجات الزلزالية ونماذج الحاسوب المتقدمة. وقد أظهرت هذه الدراسات أن بقايا القارة المفقودة تقع على أعماق تصل إلى 1500 كيلومتر تحت اليونان، ويمكن رصدها بوضوح في صور الموجات الزلزالية التي تكشف البنية الداخلية للأرض.

وهذا يربط بين الاكتشاف العلمي الحالي وفهمنا للزلازل والنشاط الأرضي الحديث، فحركة الصفائح التي دفنت "أدريا الكبرى" ما تزال تؤثر في مناطق الزلازل الممتدة من إيطاليا إلى تركيا وإيران، إذ تعمل خطوط الفوالق القديمة كقنوات لنشاط تكتوني مستمر يفسّر بعض الهزات الأرضية التي نشهدها في الحوض المتوسطي.


منجم معلومات وموارد مستقبلية


إضافة إلى قيمته العلمية، يعيد هذا الاكتشاف الجيولوجي التفكير في مصادر المعادن والطاقة على كوكبنا. فظهور النحاس والزنك والعناصر النادرة يرتبط غالبًا بحدود الصفائح القديمة وأماكن اصطدام القارات. وبذلك يمكن أن يساعد تحديد مواقع القارات الغارقة في توجيه عمليات التنقيب المستقبلية وفهم توزيع الثروات المعدنية في أوروبا وشمال إفريقيا.

وهذا يفتح بابًا جديدًا لفهم تحوّلات الأرض عبر الزمن، ويؤكد أن ما نراه من قارات مستقرة اليوم هو نتيجة تراكم طويل لحركات الصفائح وانفصال الكتل الجيولوجية واندماجها على مدى مئات ملايين السنين.


ماضٍ غارق.. ومستقبل من الاكتشاف

ذو صلة


يرى العلماء أن "أدريا الكبرى" ربما كانت عبارة عن مجموعة جزر منخفضة شبيهة بقارة "زيلانديا" المغمورة قرب نيوزيلندا، ولم يكن سوى سبعة في المئة منها فوق سطح البحر. ومع ذلك، ما تزال أجزاء منها قائمة في شمال إيطاليا وكرواتيا، وهي أماكن يمكن لأي زائر اليوم أن يمشي فوقها دون أن يدرك أنه يسير على أرض من قارة مفقودة.

في نهاية المطاف، لا يمثل هذا الاكتشاف مجرد فصل جديد في علم الجيولوجيا، بل تذكيرًا حيًا بأن كوكبنا كائن دينامي يعيش في حركة دائمة. فالأرض التي نظنها مستقرة تخفي في أعماقها تاريخًا هائلًا من التحولات والاندساسات، وربما ما زالت تحتفظ بأسرار لقارات أخرى تنتظر من يكشفها.

ذو صلة