بعد 25 عامًا من الجدل… اللغز يكشف: لم يكن عنكبوتًا أبدًا!

3 د
تبيّن أن "العنكبوت العملاق" كان في الواقع نوعًا من العقارب البحرية المنقرضة.
الاكتشاف الأصلي سند على خطأ في التصنيف نتيجة شح العينة المحفوظة بعيدًا عن التحقيق.
عام 2005، تم التحقق من الهوية الحقيقية بعد العثور على أحفورة ثانية.
ساهم الإعلام في ترسيخ الخطيئة بالحماس المفرط رغم شكوك الخبراء منذ البداية.
القصة تعكس رحلة التصحيح العلمي وأن الاكتشافات القديمة قد تحمل مفاجآت جديدة.
لأكثر من ربع قرن، تناقلت الصحف والبرامج العلمية حكاية عنكبوت أثري هائل الحجم، وجرى تقديمه كأكبر عنكبوت عرفته الأرض. بدا الأمر وكأنه رعب حقيقي من أعماق الزمن السحيق، لكن المفاجأة جاءت بعد سنوات طويلة: لم يكن هذا المخلوق عنكبوتًا على الإطلاق.
في ثمانينيات القرن الماضي، عثر عالم الحفريات الأرجنتيني ماريو هونيكن على أحفورة ضخمة في مقاطعة سان لويس. وقد بدت ملامحها عند الفحص الأولية مشابهة إلى حد كبير لهياكل العناكب، مما دفعه إلى تسميتها “ميغاراخني سيرفيني” أي “العنكبوت العملاق”. التقديرات حينها تحدثت عن امتداد أطراف قد يصل إلى نصف متر وجسم بحجم كف اليد، ما جعلها تبدو كوحش حقيقي من حقبة الفحم الحجري قبل 300 مليون سنة. وهكذا، وجدت نفسها في قاعات المتاحف وشاشات التلفزيون بوصفها تجسيدًا للعنكبوت الأسطوري.
وهذا يربط بين حماسة الاكتشاف المبكرة وبين الطريقة التي ساهمت بها وسائل الإعلام في ترسيخ الفكرة الخاطئة لسنوات طويلة.
جدل علمي طويل الأمد
منذ البداية، لم يبدُ جميع العلماء مقتنعين بهذه التسمية. بعض المختصين في علم الأحياء القديمة لاحظوا غياب السمات الأساسية التي تميّز العناكب الفعلية، وعلى رأسها الغُدد المنتِجة للخيوط أو ما يعرف بـ"المغازل الحريرية". لكن النقاش ظل معلقًا لسبب بسيط هو أن العينة الأصلية بقيت محفوظة بعيدًا عن متناول الخبراء، داخل خزنة مصرفية تقريبًا طوال عقدين. وفي حقل يعتمد أحيانًا على أحفورة وحيدة لتعريف نوع كامل، كان هذا الغياب عقبة حقيقية أمام التحقق العلمي.
ومن هنا، انتقل الجدل من مجرد ملاحظة علمية إلى تشكيك أوسع في منهجية التعامل مع الاكتشافات النادرة محدودية الوصول.
الحسم: من عنكبوت إلى عقرب بحري
عام 2005، قلبت أحفورة ثانية عُثر عليها في المنطقة ذاتها المعادلة بالكامل. فريق دولي ضم باحثين من الأرجنتين وبريطانيا أعاد دراسة العينة وقارن مكوناتها مع مخلوقات منقرضة أخرى. النتيجة كانت واضحة: الكائن ليس عنكبوتًا، بل نوع من **العقارب البحرية** أو ما يعرف علميًا بـ"يوربتريد". ملامح الدرع الخارجي والأخاديد الهلالية البارزة إضافة إلى بروزات حادة، كلها خصائص تنتمي لهذه المجموعة البحرية التي انقرضت قبل مئات ملايين السنين.
وهذا يرتبط مباشرة بكيفية تعدّل صورة الكائنات المنقرضة في أذهاننا بمجرد ظهور أدلة جديدة أكثر وضوحًا.
وقع الاكتشاف على الثقافة الشعبية
الطريف أنّ كشف الحقيقة جاء متزامنًا تقريبًا مع عرض سلسلة وثائقية بريطانية شهيرة، صوّرَت “ميغاراخني” في هيئة عنكبوت وحشي يطارد ضحاياه. التصوير انتهى بالفعل، ولم يكن ممكنًا تغييره بعد انتشار الاكتشاف الجديد. صناع العمل اضطروا إلى لصق اسم مختلف على الشاشة، لكن صور المخلوق العملاق بقيت هي نفسها، ما عمّق الالتباس لدى الجمهور حول هوية هذا الكائن.
وهذا يوضح كيف يمكن للعلم والإعلام أن يسيرا في خطين متوازيين لكن غير متوافقين، فيساهم أحدهما في تضخيم خطأ صغير حتى يستقر في الذاكرة الجماعية.
الخاتمة
هكذا انتهت أسطورة “أكبر عنكبوت في التاريخ”، ليتحول بفضل إعادة الفحص إلى قصة أكثر واقعية لكنها لا تقل إثارة: مخلوق بحري منقرض كان يجوب قيعان الأنهار والبحيرات الضحلة قبل عصور الديناصورات. القصة تُذكرنا بأن العلم ليس رواية ثابتة، بل رحلة تصحيح مستمرة، وأن أرقى الاكتشافات قد تحمل معها مفاجآت لم نكن نتوقعها.









