بعد 4000 عام من الهدوء… البحر يقرر الانتقام ويرتفع بوتيرة مرعبة!

3 د
تشير دراسة حديثة إلى أن ارتفاع مستوى البحار الحالي هو الأسرع منذ أربعة آلاف عام.
يعود ذلك لذوبان الجليد وتمدد المحيطات بفعل الاحترار العالمي المتسارع.
تواجه الصين تهديدًا مزدوجًا بهبوط الأراضي وارتفاع مستوى البحر معًا.
بدأت مدن مثل شنغهاي في تقليل استخدام المياه الجوفية للحد من الهبوط الأرضي.
تؤكد الدراسة على ضرورة التخطيط طويل الأمد لمواجهة تأثيرات التغير المناخي.
**بحث علمي حديث يقلب الموازين بشأن التغير المناخي، إذ يؤكد أن مستوى البحار الحالي يرتفع بوتيرة غير مسبوقة منذ آلاف السنين، ما يهدد المدن الساحلية حول العالم، خاصة في شرق آسيا والصين.**
كشفت دراسة قادها فريق من جامعة "روتغرز" الأمريكية أن مستوى سطح البحر بات يرتفع اليوم بمعدل لم تشهده الأرض منذ أربعة آلاف عام. واستند العلماء في أبحاثهم إلى آلاف السجلات الجيولوجية المستخرجة من الشعب المرجانية وأشجار المانغروف القديمة، التي احتفظت في طبقاتها بأدلة عن تغيرات مستوى البحر عبر العصور.
ويشير الباحثون إلى أن المتوسط العالمي لارتفاع سطح البحر منذ عام 1900 بلغ نحو 1.5 مليمتر سنوياً، وهو معدل يتجاوز أي تغير مماثل في القرون الأربعة السابقة.
وهذا الاستنتاج يربط بوضوح بين ظاهرة الاحترار العالمي الحالية وتسارع ذوبان الجليد القطبي، وهما العاملان الأساسيان في تمدد المياه وارتفاع مستواها.
تمدد المحيطات وذوبان الجليد
يقول الدكتور يوتشنغ لين، أحد الباحثين الرئيسيين، إن المسألتين الأساسيتين وراء التسارع هما التمدد الحراري للمحيطات نتيجة ارتفاع درجة حرارة الأرض، وذوبان الأنهار الجليدية وصفائح القطبين. فالمياه الساخنة تتمدد، فيما يضيف الجليد الذائب كميات جديدة من الماء إلى المحيطات.
ويضيف لين: "عندما يزداد دفء البحار، يزداد حجمها، ومع تسارع ذوبان الجليد في غرينلاند وأنتاركتيكا، نشهد ارتفاعاً متزايداً في مستويات المياه حول العالم".
وهذا يقودنا إلى بؤرة أخرى من التحديات، وهي المدن التي يضاعف فيها النشاط البشري من فداحة الموقف.
المدن الآسيوية بين الانغمار والان subsidence
تظهر الدراسة أن الصين تواجه تهديداً مزدوجاً، إذ يتقاطع ارتفاع البحر مع هبوط طبيعي ومفتعل في أراضي الدلتا الساحلية، حيث تقع مدن ضخمة مثل شنغهاي وشنتشن وهونغ كونغ. هذه المناطق المشيدة فوق رواسب ناعمة معرضة للهبوط الطبيعي، بينما تضيف عمليات استخراج المياه الجوفية عبئاً جديداً.
ويشرح لين أن أجزاء من شنغهاي هبطت أكثر من متر واحد خلال القرن الماضي بسبب الضخ المفرط للمياه الجوفية، وهو معدل أسرع آلاف المرات من وتيرة ارتفاع البحر عالمياً.
وهذا يبرز الترابط بين العوامل الجيولوجية والأنشطة البشرية، ما يجعل سواحل مثل دلتا اليانغتسي عرضة أكثر لخطر الفيضانات والعواصف البحرية.
دلتا الأنهار... مناطق خصبة ومهدّدة
تُعد دلتا الأنهار بيئات حيوية للزراعة والصناعة والنقل، لكنها في الوقت نفسه من أكثر الأماكن هشاشة أمام تغير المناخ. فحتى بضع سنتيمترات من ارتفاع مستوى البحر يمكن أن تُغرق آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية أو المناطق السكنية.
ويحذر الباحثون من أن أي أزمات ساحلية هناك قد ترتد بتأثيرها على سلاسل الإمداد العالمية، نظراً لتمركز جزء كبير من الصناعات الحيوية في تلك المدن الساحلية الآسيوية.
وهذا ما يدفعنا للتساؤل: هل يمكن الحد من هذه المخاطر فعلاً؟
الأمل في الإدارة الذكية للمياه
رغم الصورة القاتمة، تحمل نتائج الدراسة بارقة أمل؛ إذ بدأت بعض المدن مثل شنغهاي في اتخاذ إجراءات ملموسة، كتقنين استخدام المياه الجوفية وإعادة ضخ المياه النقية إلى الطبقات العميقة من الأرض للحد من الهبوط. هذه الخطوات أدت بالفعل إلى إبطاء معدلات الغوص الأرضي، ما يقدم نموذجاً يحتذى به للمدن الأخرى.
كما وفرت الدراسة خرائط تفصيلية تبين أماكن الخطر المحتملة لتساعد الحكومات ومخططي المدن على التخطيط طويل الأمد في مواجهة ارتفاع البحار.
وفي الختام، تؤكد هذه النتائج أن الأزمة المناخية لم تعد توقعاً بعيداً، بل حقيقة حاضرة يلمسها الباحثون بالأرقام. فارتفاع البحر، وذوبان الجليد، وتراجع الأراضي الساحلية ليست سوى مظاهر مترابطة لسلوك الإنسان مع كوكبه. ويبقى السؤال الأكبر: هل يتحرك العالم بالسرعة الكافية قبل أن تتجاوز المياه خطوط الشاطئ الأخيرة؟









