تحت عيون مرصد روبن: صورة مذهلة تفتح آفاقًا لاكتشافات كونية جديدة وتكشف غموض المادة المظلمة

3 د
تُظهر صورة نُشرت حديثاً من مرصد فيرا روبن سديم البحيرة وسديم تريفيد بوضوح مذهل.
الصورة تتألف من أكثر من 700 لقطة تم دمجها على مدى سبع ساعات.
يبدأ مرصد روبن عمله هذا العام لإجراء "مسح الإرث الفضائي والزمني" لمدة عقد.
يُمكن للمرصد إعادة رصد السماء الجنوبية بانتظام، مقدماً بيانات غير مسبوقة.
يُساهم المشروع في التتبع خريطة المادة المظلمة وتوسيع فهمنا للكون.
تحت سماء تشيلي الصافية وعلى قمة جبل سيرو باشون بالذات، برز أمام عيوننا أخيرًا مشهد غير مسبوق من عمق الكون. إنها سُحب الغاز والغبار الكوني المتراقصة في "سديم البحيرة" البعيد مسافة 5000 سنة ضوئية، وإلى جواره، ذات اللون الساحر، "سديم تريفيد" الذي يظهر بوضوح في الجانب العلوي من الصورة المشوقة.
هذه الصورة الساحرة التي نشرتها حديثاً "منشأة فيرا روبن الفلكية" تمثل تتويجًا لأكثر من 700 صورة منفصلة جرى التقاطها على مدار سبع ساعات، وبعد دمجها ظهرت تفاصيل دقيقة باهرة لم تُسجّل بهذه الدقة من قبل. وتأتي الصورة كإعلان افتتاحي عن بدء عمل مرصد روبن المقرر أواخر هذا العام، ليمتد مسح السماء الجنوبية نحو عقد كامل في مهمة أُطلق عليها اسم "مسح الإرث الفضائي والزمني" أو اختصارًا LSST.
إن ما يميز مرصد روبن الجديد ليس مجرد عدسته العملاقة وكاميرته الرقمية بحجم سيارة فقط— وهي الأكبر على الإطلاق— بل أيضًا قدرته الاستثنائية على إعادة رصد السماء الجنوبية بأكملها كل ثلاث أو أربع ليالٍ مرة واحدة، مجسداً ثورة حقيقية في مجال مراقبة الفضاء. صاحبة الفضل في توضيح هذه الميزات، عالمة الفلك يسرى الصياد من جامعة برينستون، التي أوضحت في المؤتمر الصحفي أن المنظار سيفتح للعالم بُعدًا زمنيًا جديدًا كليًا يتيح اكتشاف ملايين الأجرام المتغيرة خلال الليلة الواحدة.
ومع هذه القدرات العالية والتقنيات المتقدمة، سيتمكن المرصد من التقاط صور تتجاوز ألف صورة كل ليلة تقريبًا، ويعد بذلك مصدرًا ثريًا للبيانات التي لم يسبق للعلماء الحصول عليها بهذه السرعة وهذه الكمية. وستُستخدم هذه المعطيات القيّمة لكشف مزيد من التفاصيل حول مجرتنا الأم درب التبانة، ودراسة الأجسام المتحركة على أطراف نظامنا الشمسي، وكذلك استكشاف أسرار المجرات والنجوم الأخرى بشكل متعمق وفي حالاتها المتغيرة دوريًا.
هذا ويطمح المشروع أيضًا إلى تتبّع وتحديد خريطة المادة المظلمة، تلك المادة الغامضة التي تُشكل حوالي 85% من إجمالي المادة في الكون. وليس هذا هدفًا عابرًا؛ فاسم المنشأة يكرّم عالمة الفلك الراحلة فيرا روبن، التي كانت أعمالها الرائدة في سبعينيات القرن الماضي أول من قدم دليلًا مقنعًا على وجود المادة المظلمة، لتلعب بذلك دورًا لا ينساه التاريخ العلمي.
وفي هذا الصدد، أكد آرون رودمان، عالم الفيزياء الفلكية المسؤول عن كاميرا المرصد والممثل لمختبر SLAC الوطني، أن هذا المشروع المدهش سيعمل كآلة اكتشاف كبرى، فبالإضافة إلى عمله البحثي المباشر، سيقوم برسم خريطة للظواهر المثيرة للاهتمام، وعرضها على علماء المراصد الأخرى ليتمكّنوا من التركيز عليها وإجراء دراسات أعمق.
هذه الصورة الأولى ليست سوى بداية لخطة استكشاف هائلة، تُفسح المجال لمشاركة المجتمع والباحثين حول العالم. ومن المرتقب أن يصدر المرصد المزيد من الصور والبيانات خلال العشر سنوات القادمة. وبما أن هذه المنشأة العلمية تأتي كثمرة تعاون بين المؤسسة الوطنية الأمريكية للعلوم ووزارة الطاقة الأمريكية، فمن المتوقع أن تسهم تقنية المنشأة في تعزيز القدرة التحليلية والعلمية في العالم أجمع.
ختامًا، يمكننا القول إن صورة "سديم البحيرة" و"سديم تريفيد" الساحرة تفتح بابًا مذهلًا نحو اكتشافات كونية جديدة. ويبقى من المثير متابعة عمل مرصد روبن الفلكي في السنوات المقبلة، لنرى كيف سيغير فهمنا للكون حقًا بشكل جذري. ومع مرور الزمن، قد يكون التركيز أكثر على توضيح طبيعة وأهمية "المادة المظلمة"، من خلال ربط مفصل أكثر بين إرث العالمة فيرا روبن وأهداف المرصد، ما سيتيح للقراء علاقة أقوى وأعمق مع المشروع وفهمًا أفضل لإنجازاته المنتظرة.