تيارات الأطلسي المهددة: هل نحن على حافة كارثة مناخية كبرى؟

3 د
العلماء يحذّرون من تباطؤ نظام التيار الانقلابي في المحيط الأطلسي بسبب الاحتباس الحراري.
توقف التيار قد يؤدي إلى موجات برد أوروبية وتغيرات في هطول الأمطار بالمناطق الاستوائية.
ارتفاع مستويات سطح البحر يهدد المناطق الساحلية بأضرار اقتصادية جسيمة.
النداء للدول لتسريع خطوات اتفاق باريس وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة فوراً.
التعاون الدولي والتحول إلى الطاقة النظيفة أساسي لتجنب الكوارث المناخية المستقبلية.
تخيل معي لو أن حزاماً عملاقاً من التيارات المائية في المحيط الأطلسي توقف فجأة؛ إنه سيناريو يكاد يبدو وكأنه مشهد من فيلم خيال علمي، لكنه في الواقع خطر حقيقي يخشاه علماء المناخ اليوم. هذه الظاهرة المعروفة باسم "التيار الانقلابي في المحيط الأطلسي"، أو اختصاراً AMOC، تعد من أهم نظم تنظيم المناخ على كوكبنا، وهي في الواقع التيار المسؤول عن دفع المياه الدافئة من المناطق الاستوائية نحو شمال المحيط الأطلسي، مما يمنح أوروبا الشمالية الغربية مناخاً دافئاً نسبياً في الشتاء مقارنة بمناطق أخرى على خطوط العرض نفسها.
لكن العلماء يحذّرون الآن من أن هذه الآلية الطبيعية الهائلة باتت اليوم مهددة بالتباطؤ، بل وقد تتوقف كلياً في المستقبل القريب بسبب التغير المناخي وتسارع ظاهرة الاحتباس الحراري. في رسالة مفتوحة للشعوب وصناع القرار، أشار 44 عالماً متخصّصاً في المناخ بقيادة الدكتور مايكل مان من جامعة بنسلفانيا، إلى أن التوقعات العلمية الحالية قد لا تعكس سرعة وخطورة الاضطراب المحتمل في AMOC. فالمسألة لم تعد مجرد احتمالات بعيدة، بل إنها تقف الآن على حافة "نقطة اللاعودة"، وهذه حقيقة يدعون الدول - وتحديداً دول الشمال الأوروبي - إلى التعامل معها فوراً.
وهذا ما يدعونا إلى التفكير بالمدى الحقيقي لهذه الأزمة إذا حدث فعلاً هذا الانهيار. فتوقف التيار الانقلابي لن يؤثر فقط على أوروبا أو أمريكا الشمالية، إذ ستشعر مناطق مختلفة حول العالم بالعواقب: بعضها سيتعرض لموجات برد قاسية مفاجئة كأوروبا، ومناطق أخرى قد تختبر تغيرات جذرية في نمط الأمطار مثل المناطق الاستوائية، مما يهدّد بتراجع الإنتاج الزراعي وتفاقم الجوع واختلال الأمن الغذائي. كما سيؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى تهديد حقيقي مباشر للمناطق الساحلية مثل الساحل الشرقي الأمريكي، مخلفاً أضراراً اقتصادية تقدر بمئات المليارات من الدولارات.
لكن التأثير لا يطال الإنسان فقط، بل يشمل أيضاً أنظمة بيئية كاملة تعتمد على انتظام تيارات المحيط، من بينها مزارع الأسماك والموارد البحرية، ما قد ينجم عنه انهيارات كارثية لهذه المنظومات الحيوية.
ولذلك وجه العلماء نداء عاجلاً للمسؤولين، وشددوا على ضرورة الأخذ بهذه التحذيرات بجدية، والقيام بخطوات عملية ملموسة، من أهمها تسريع الخطط القائمة حالياً لتنفيذ بنود اتفاق باريس للمناخ والحد بشكل عاجل من انبعاثات الغازات الدفيئة. كما أكدوا على ضرورة توفير تمويل إضافي لرصد ومتابعة الحالة المناخية في المحيط الأطلسي بشكل أفضل من خلال محطات رصد حديثة ومتطورة.
وقد يظن البعض أن هذه الأزمة تبدو بعيدة، لكن الحقيقة أن تباطؤ التيارات المحيطية يرسل إلينا إشارات واضحة، وأحياناً نلاحظها دون انتباه. لعلنا جميعاً لاحظنا زيادة حدة تغيرات الطقس في بلداننا مؤخراً، بين برد يشتد فجأة دون سبب ظاهري، وأمطار تأتي في غير مواسمها أو تغيب في مواسمها المعتادة. فهذه كلها ربما لمحات من المستقبل المناخي الغامض الذي ينتظرنا إذا لم نتخذ إجراءات عاجلة.
وفي نهاية المطاف، إن مواجهة هذه الأزمة ليست سهلة بالتأكيد، لكنها ليست مستحيلة. فنتائج الأبحاث تؤكد أن الانتقال السريع للطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والاهتمام بحلول صديقة للبيئة كإحياء الغابات، يمكن أن يساعد كثيراً في تجنب أسوأ الكوارث المحتملة. إضافة إلى ذلك، فإن تعزيز التعاون الدولي بشكل أكبر يعد ضرورة قصوى، لتحسين قدرتنا على الرصد المبكر لمثل هذه الظواهر المناخية الحاسمة.
والآن، عزيزي القارئ، كيف ترى الوضع المناخي في منطقتك؟ وهل لاحظت بالفعل إشارات مشابهة على تغير المناخ؟ لنتشارك جميعاً تجاربنا وآراءنا، لعل هذه النقاشات تساعدنا في نشر الوعي وتسريع اتخاذ خطوات من أجل الحفاظ على مستقبل أجيالنا القادمة.