ثورة طبية جديدة: تحويل خلايا الجلد إلى خلايا دماغية بكفاءة تفوق الخيال

4 د
حقق باحثو MIT قفزة نوعية بتحويل خلايا الجلد مباشرة إلى خلايا دماغية.
نجحوا في تحقيق كفاءة تجاوزت ألف بالمئة باستخدام تقنيات جينية متقدمة.
التقنية قد تمهد لعلاج أمراض عصبية مستعصية مثل ALS والخرف.
تجارب الفئران أثبتت فاعلية الخلايا العصبية المحولة في الدماغ.
نتائج التجارب تفتح آفاقًا جديدة في الطب التجديدي والهندسة الوراثية.
من كان يظن أن قطعة صغيرة من الجلد قد تحمل المفتاح لعلاج أمراض عصبية مستعصية؟ العلماء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) حققوا قفزة استثنائية في الطب التجديدي بعدما نجحوا في تحويل خلايا الجلد مباشرةً إلى خلايا دماغية متخصصة، دون المرور بمرحلة الخلايا الجذعية، وبنسبة كفاءة مذهلة تتجاوز 1000%. هذا الإنجاز الفريد يثير الأمل لملايين المرضى حول العالم ويعيد رسم خريطة أبحاث الخلايا والعلاجات المستقبلية.
تخيلوا معي مدى التأثير: سابقًا، كان الحصول على خلايا جذعية لعلاج إصابات أو أمراض يتطلب تدخلات أخلاقية شائكة، كاستخدام الأنسجة الجنينية. لكن العلماء اليابانيين توصلوا عام 2006 لطريقة ثورية تمكنهم من إعادة برمجة الخلايا الناضجة وجعلها خلايا جذعية متعددة القدرات (iPSC)، يمكن بعد ذلك توجيهها لإنتاج أي نوع من الخلايا التي يحتاجها الجسم. هذه الثورة كانت نقطة تحوّل في مجال إعادة البرمجة الخلوية، ويعود لها الفضل في تطوير علاجات وطرق بحث جديدة. ومع ذلك، بقيت هناك عقبة ضخمة: معظم الخلايا كانت تتوقف في منتصف الطريق، ما جعل كفاءة العملية منخفضة إلى حد مؤسف، فهي لم تتجاوز 0.1% في بداياتها، رغم التقدم الملفت الذي أحرزه الباحثون مع مرور الوقت.
وهنا، يبرز سؤال طبيعي: كيف نجح فريق MIT في تجاوز هذه العقبات التقليدية؟ يرتبط هذا التحول بالبحث عن طرق مختصرة وآمنة للوصول لأهدافهم العلاجية. فمن خلال الاستغناء عن مرحلة التحويل إلى خلايا جذعية والاكتفاء بتحويل خلية الجلد مباشرة إلى خلية عصبية، كشفت نتائج الأبحاث عن طفرة حقيقية في الأداء. وبلغت الكفاءة مستويات غير مسبوقة، فلكل خلية جلد واحدة تم تحويلها، أنتج العلماء عشر خلايا عصبية وظيفية على الأقل.
الطريق المباشر: سر الإنجاز يكمن في التبسيط
هذا التطور المحوري اعتمد على التلاعب بمجموعة من الجينات تُسمى عوامل النسخ، وهي بروتينات تشرف على تفعيل أو تعطيل جينات مهمة داخل الخلية. سابقًا، كان العلماء يستخدمون أربعة جينات لعكس برمجة الخلايا، لكن فريق MIT بحث ودقّق واختبر عدة توليفات من ستة عوامل ووجدوا أن ثلاثة فقط – تعرف باسم NGN2 و ISL1 و LHX3 – تكفي لإتمام عملية التحويل بكفاءة. الجمع بين هذه العوامل الثلاثة في حمض نووي واحد ثم إدخاله إلى خلية الجلد عبر ناقلات فيروسية سمح لهم بإيصال الجرعة المثالية لجميع الخلايا. وما يزيد الأمر إثارة، أنهم أضافوا محفزين جينيين إضافيين لمساعدة الخلايا على الانقسام والتكاثر قبل تمام عملية التحويل، فوجدوا أن الخلايا النشطة والمنقسمة حديثًا تكون أكثر استعدادًا للتغيير، تمامًا كالتربة الخصبة التي تحتضن البذور الجديدة.
وهذا يضيء لنا جانبًا مهمًا من علاقة نشاط الخلية الأصلي وإمكان نجاح التحويل، ما قد يلهم مستقبلاً استراتيجيات معالجة أمراض مثل التصلب الجانبي الضموري (ALS) والخرف والاضطرابات الحركية الشائعة.
نتائج مثيرة وتطبيقات مستقبلية
ما النتائج العملية لهذا النجاح؟ عند تجريب التقنية على خلايا جلد الفئران، نجح الفريق في الحصول على خلايا عصبية حركية تعمل بشكل طبيعي، حيث أظهرت إشارات كهربائية واستجابات كالسيوم، ما يشير إلى حيويتها. تجاوزت كفاءة التحويل 1000%، أي أن مع كل خلية جلدية أصلية أصبح بالإمكان توليد عشر خلايا عصبية جديدة وفعالة. وفي تجربة تكميلية مذهلة، تم زرع هذه الخلايا العصبية داخل أدمغة فئران حية، فاستطاعت الاندماج والتواصل مع الخلايا العصبية الموجودة مسبقًا، في تطور قد يمهد لعلاج إصابات الدماغ أو النخاع الشوكي في المستقبل القريب.
ومع هذا التقدم المشجع على الخلايا الحيوانية، حاول الباحثون تكرار التجربة على خلايا جلد بشرية. ورغم أن نتائج الكفاءة كانت أقل (بين 10-30%) إلا أنها تتفوق بشكل كاسح على البدايات التقليدية التي لم تتعدَ عتبة 0.1%. يبقى الهدف الآن هو رفع هذه النسبة تدريجيًا عن طريق تحسين الظروف والعوامل الجينية المؤثرة.
وهكذا نصل إلى مرحلة قد يصبح معها بناء أنسجة عصبية أو تعويض الخلايا التالفة عند مرضى الكبار – كالذين يعانون من الشلل أو فقدان القدرة الحركية – أمرًا واقعيًا ويمكن تحقيقه في عيادات المستقبل، بل وربما تمتد التقنية لتشمل تحويل الخلايا لأنواع أخرى غير العصبية بحسب الحاجة الطبية.
في ضوء هذه النتائج، يشعر المجتمع العلمي بتفاؤل بالغ، خاصة وأن تفاصيل الدراسة نُشرت في دورية علمية مرموقة تحت اسم "Cell Systems"، وذلك يخلق نقاشاً علمياً واسعًا حول أبعاد تطبيقات التقنية في الطب الحيوي والهندسة الوراثية وعلاج الأمراض المستعصية.
ختامًا، يبدو أن أبحاث MIT هذه وضعت حجر الأساس لطريقة اختصارية، أسرع وأكثر كفاءة في استخدام خلايا الجسم نفسه لإنتاج خلايا وظيفية جديدة. نجاح تحويل خلايا الجلد إلى خلايا عصبية مباشرة بهذه النجاعة يفتح الباب أمام جيل جديد من العلاجات المبتكرة لأمراض الجهاز العصبي وتجديد الأنسجة، ويقربنا خطوة كبيرة من حلم الطب الشخصي حيث يصبح كل فرد المورد الأول لعلاجه الذاتي.









