جليد الفضاء: تشكيلات بلورية في جليد الفضاء تغير مفهومنا حول تكوين الكواكب ونشأة المجرات

3 د
كشفت دراسة أن جليد الفضاء أكثر انتظامًا من الاعتقاد السائد.
أظهرت التجارب أن 20% من الجليد الفضائي يأخذ أشكالًا بلورية نانوية.
فهم جديد للجليد قد يغير التصورات حول تكوّن الكواكب وتطور المجرات.
اكتشافات العلماء تساعد في تطبيقات تقنية حديثة مثل تحسين الألياف الزجاجية.
النتائج تفتح الأبواب لأبحاث مستقبلية في العلوم والمواد المستخدمة يوميًا.
اعتدنا أن نفكر في الجليد الموجود في أعماق الفضاء على أنه مجرد كتل من الماء المتجمّد عديم الشكل والترتيب. لكن دراسة حديثة كشفت أنّ هذا الاعتقاد السائد قد لا يكون دقيقًا تمامًا، بل إن هذا الجليد قد يكون أكثر انتظامًا مما كنّا نعتقد.
قام فريق من العلماء بقيادة الفيزيائي مايكل بينديكت ديفيز من جامعتي كامبريدج وكلية لندن الجامعية في المملكة المتحدة، بعمل تجارب محاكاة حاسوبية دقيقة وتجارب عملية للماء في ظروف مشابهة لظروف الفضاء الشديدة البرودة، لمعرفة إذا ما كان الجليد في الكون عديم الشكل بالفعل أم أنه يأخذ أشكالاً بلورية منتظمة.
نتائج مدهشة تغيّر فهمنا للجليد
كانت النتائج مفاجئة جدًا، إذ أظهرت بوضوح أن الماء المجمد في بيئة الفضاء يحتوي على نسبة كبيرة من الجليد المحدّد البلوري. حسب التجارب، تبيّن أن حوالي 20% من الجليد في هذه الظروف يتواجد في بلورات دقيقة جدًا ذات بُعد نانومتري، بينما تظل نسبة 80% الأخرى غير منتظمة (جليد غير بلوري). هذا يعني أن تصورنا السابق عن الجليد في الكون بحاجة لإعادة النظر، وأن الفضاء برودته الشديدة فعلاً تسمح بتكوّن هذه البلورات رغم الاعتقاد بعدم توفر الطاقة الكافية لذلك.
وأوضح ديفيز مدى أهميّة هذه النتائج قائلاً: "لأول مرة صار لدينا تصور دقيق لما يبدو عليه الجليد في الفراغ البارد للفضاء على المستوى الذري. إذ أن للجليد دورًا رئيسيًا في كثير من العمليات الكونية كتكّون الكواكب وتطور المجرات وانتشار المواد حول الكون."
وهذا الاكتشاف يعيد تذكيرنا مرة أخرى بأن الماء نفسه مادةٌ غريبة ومثيرة للفضول. فنحن قد تعرّفنا إلى الآن على أكثر من 20 شكلًا مختلفًا للجليد في ظروف متباينة، ما يؤكد لنا دائمًا أن ما نعرفه عن الماء ما زال ضئيلًا مقارنة بما يُمكن أن نتعلمه.
ولفهم أكثر عمقاً لهذه الظاهرة، قام الباحثون في تجاربهم بإعادة إنشاء ظروف تشبه الفراغ الفضائي. فعادةً ما يتجمّد بخار الماء مباشرة في الفضاء على سطح بارد للغاية دون المرور بالحالة السائلة، وهو ما حاكاه العلماء في المختبر أيضًا لينجحوا في مراقبة هذه البلورات الدقيقة التي تم بالفعل تشكيلها.
تأثيرات أوسع من مجرد الفضاء
لكن آثار هذا الاكتشاف تتجاوز الفضاء وحسب، فهي مهمة أيضًا لفهم المواد غير البلورية بشكل عام، إذ تستخدم هذه المواد في تقنيات حديثة ومتقدمة. فمثلًا الألياف الزجاجية المستخدمة عالميًا في نقل البيانات والاتصالات بعيدة المدى يجب أن تكون غير بلورية (أي دون ترتيب داخلي)، وإذا ما وُجدت فيها بلورات دقيقة واستطعنا إزالتها، فهذا سيحسن بشكل كبير أداءها وكفاءتها.
وقال الباحث كريستوف سالزمان من كلية لندن الجامعية: "ظللنا ننظر للجليد في الفضاء على أنه أشبه بصورة مجمدة من الماء السائل، كتلة من الجزيئات المختلطة دون ترتيب. الآن أثبتنا أن هذا التصور ناقص، وأن بعض المناطق فيه على الأقل أكثر نظامًا وترتيبًا مما كنا نتصوره."
تفتح هذه النتائج المدهشة الباب واسعًا لمزيد من الأبحاث التي قد تُعيد تعريف فهمنا لبعض المواد المستخدمة في حياتنا اليومية، وليس فقط لجليد الفضاء البعيد.
وبالطبع، هذه ليست نهاية المطاف. ما زال بمقدور العلماء إجراء المزيد من الأبحاث والتجارب لكشف مزيد من التفاصيل حول هذه الظاهرة الرائعة. ربما يمكنهم التركيز بشكل أكبر على تحديد العوامل التي تسمح بتشكل البلورات على الرغم من الظروف القاسية، مما يعمّق معرفتنا بمواد أخرى مشابهة وظواهر كونية أخرى.
هكذا يكشف العلوم كل يوم جوانب مدهشة جديدة ومتجددة عن الكون الذي نعيش فيه، ويذكّرنا دائمًا بأن كل ما نعرفه قد يكون عرضةً للتغيير وإعادة الاكتشاف.