حفرية مرعبة: أضخم قاتل عاش على وجه الأرض قبل الديناصورات

3 د
اكتشف العلماء حفرية "بامبافونيوس بيكاي" الذي عاش قبل 265 مليون عام في البرازيل.
تم استخراج جمجمة شبه مكتملة لهذا المفترس الضخم لدراسة مظهره وسلوكياته.
ينتمي هذا الكائن إلى رتبة الثيرابسيدات، ويتميز بقوة عض عظيمة.
يساعد الاكتشاف في فهم المنظومات البيئية القديمة قبل الانقراض البرمي الترياسي.
تعتبر جنوب البرازيل مركزًا واعدًا في علم المستحاثات لدراسة الماضي الجيولوجي.
وسط سهول جنوب البرازيل الخضراء، أعاد علماء الحفريات رسم صورة كان من المستحيل تخيلها: قبل أكثر من ربع مليار عام، كان هناك حيوان مفترس ضخم يُدعى "بامبافونيوس بيكاي" يطرق الأرض بقوة، ويفرض سيطرته على الكائنات من حوله. هذا الكائن الغامض ظهر إلى النور من خلال حفرية استثنائية اكتُشفت مؤخراً، لتفتح باباً واسعاً على حقبة قديمة سبقت سيطرة الديناصورات، وتمنحنا لمحة حية عن عالم اندثرت معظم معالمه بعد أكبر انقراض جماعي عرفه كوكبنا.
نعود إلى البداية، حيث تمكن فريق بحثي من استخراج جمجمة شبه مكتملة وأجزاء مهمة من الهيكل العظمي، بينها أضلاع وعظام للأطراف، لهذا المفترس الأسطوري من تربة منطقة "ساو جابرييل"، في ولاية ريو غراندي دو سول. ويأتي هذا الإنجاز بعد سنوات طويلة من انتظار العلماء لاكتشاف مشابه، خصوصاً وأنها المرة الثانية فقط التي يتم فيها العثور على حفرية كهذه في أمريكا الجنوبية، والأكثر إثارة أن العينة الأخيرة أوفر وأوضح من سابقتها، ما يمنحنا فرصة فريدة للتعمق في تفاصيل حياة هذا الوحش القديم.
هذا الاكتشاف لا يحمل فقط أهمية علمية، بل يتصل بتركيبة المنظومات البيئية القديمة بشكل وثيق. فبلسان البروفيسور فيليب بينهيرو، من جامعة بامبا الفيدرالية، كان "بامبافونيوس" وحشاً مهاباً بالفعل، يثير الرعب في كل من يجرؤ على الاقتراب منه. حجم جمجمته، التي يزيد طولها عن أربعين سنتيمتراً، مع أسنانه الحادة الكبيرة وقدرته الهائلة على طحن العظام، كلها تشير إلى كائن مفترس من الدرجة الأولى، يشبه في مكانته ما تحتله الأسود والنمور اليوم.
وإذا مددنا خيط الحكاية، نجد أن "بامبافونيوس" ينتمي إلى رتبة الثيرابسيدات، وتحديداً فئة "الدينوسيفاليين" الشهيرة بجماجمها السميكة والتي أطلق عليها علماء الجيولوجيا لقب "الرؤوس الرهيبة"، لما وُجد فيها من قوة بنيان وهيبة شكلية. تخبرنا هذه الخصائص أن هذا الحيوان تمتع بقوة عضّ غير مسبوقة، ما مكنه من افتراس حيوانات ضخمة وربما التهام الجيف أيضاً، في مشهد يذكّرنا اليوم بالضباع أو السنوريات الكبيرة التي تكسر العظم وتصل الى نخاعه.
ولعل الأكثر أهمية من ذلك، أن هذه الحفرية تتيح للعلماء نافذة ذهبية لدراسة منظومة الحياة على اليابسة قبل 265 مليون عام، أي قبل الانقراض البرمي الترياسي الذي قضى على أكثر من 80% من الأنواع الحية، ومهد لاحقاً لصعود نجم الديناصورات. موقع الاكتشاف شهد عبر أحقاب زمنية متلاحقة ندرة في العثور على هياكل عظمية مكتملة، ما يجعل كل حفرية جديدة بمثابة فوز علمي يضيء على تركيب المجتمع البيئي في تلك العصور، كما تؤكد الباحثة ستيفاني بيرس.
ولكي نضع الأمور في سياقها الصحيح، فإن جنوب البرازيل اليوم أصبح أحد المراكز العالمية الواعدة في علم المستحاثات، إذ تقدم صخور العصر البرمي في تلك المنطقة "مفاجآت سارة"، على حد وصف الباحث ماتيوس سانتوس، من جامعة بامبا. فكل اكتشاف مماثل يزيد من معرفتنا بالبنية الحيوية وتنوع الأنواع قبل أعظم كارثة طبيعية شهدتها الأرض، ويدفع بالعلماء نحو فك ألغاز الماضي البعيد وربطها بسيناريوهات تغير المناخ والانقراضات الكبرى.
باختصار، تكشف حفرية "بامبافونيوس بيكاي" عن عوالم اندثرت لكنها لا تزال تدهشنا حتى اليوم. فهي لا تضيء فقط فصولاً منسية من قصة الحياة، بل تؤكد أيضاً على الدور المحوري الذي تلعبه البرازيل في إعادة رسم خرائط التطور البيولوجي. لعل المزيد من هذه المفاجآت المخبأة في باطن الأرض ستمنح البشرية يوماً مفاتيح لفهم أسرار البقاء والانقراض على الكوكب الأزرق.









