دوران الضوء في البلازما: اكتشاف علمي يمهد لفهم جديد للكون!

3 د
اكتشف العلماء لأول مرة دوران "صورة الضوء" في بلازما ممغنطة.
تحدث الظاهرة بسبب "سحب الضوء" في الوسط الناقل للموجات.
أكدت موجات ألففين النتائج المتوقعة نظرياً منذ القرن التاسع عشر.
يعزز الاكتشاف فهم الظواهر الكونية مثل النجوم والكواكب.
تفتح التقنية آفاقاً جديدة للاستشعار في أنظمة طاقة المستقبل.
كثيراً ما نسمع عن غرائب العلوم والتقنية، غير أن الظاهرة التي كشف عنها فريق بحثي مؤخراً يمكن وصفها بالغريبة حقاً. حيث تمكن علماء من جامعات تولوز وكاليفورنيا "UCLA"، وجامعة باريس ساكلي، بالإضافة إلى جامعة برينستون، وللمرة الأولى في الظروف الطبيعية، من رصد عملية تُعرف علمياً بـ"دوران الصورة"، وذلك في وسط من البلازما الممغنطة.
قد تظن أن ضوء المصباح أو ضوء الشمس ينتشر في اتجاه واضح وبسرعة ثابتة لا تتأثر عادة بحركة الغازات العادية أو حتى السوائل. لكن في بعض الأوساط الخاصة، يحدث ما يُعرف بـ"سحب الضوء"، وهي ظاهرة نادرة تظهر عندما يقوم الوسط الناقل للضوء بجرّ الموجات، مما يسبب تأثيرات غريبة، أهمها دوران صورة الموجة بزاوية واضحة.
ظاهرة نادرة تحت أعين العلماء
ركز العلماء في هذا البحث الذي نُشر مؤخراً في مجلة "Physical Review Letters" العلمية، على نوع محدد من موجات البلازما يُطلق عليها اسم "موجات ألففين"، والتي تتميز ببطء حركتها طبيعياً مقارنة بسرعة الضوء. ولهذا السبب بالتحديد، كانت هذه الموجات منصة مثالية لرصد الآثار الدقيقة الساحرة لظاهرة سحب الضوء.
وعن تفاصيل هذه التجربة، يقول الباحث الأبرز في الدراسة "رينو غيرولت": "كانت فكرة تأثير الوسط المتحرك على الموجات معروفة نظرياً منذ القرن التاسع عشر، إلا أن الظروف كانت دوماً تحول دون مشاهدتها بوضوح في التجارب العملية. لكن في مختبر البلازما الكبرى بجامعة كاليفورنيا، نجحنا في التحكّم بدوران الموجات، وتحديد اتجاه دوران الصورة يميناً ويساراً بمقدار عشرات الدرجات".
كيف تحققت التجربة بهذه الدقة؟
يكمن السر في هذه التجربة في استخدام خاصية البلازما – وهي نوع من الغازات عالية الحرارة والكهربائية – والتي تمكّن الباحثين من التحكم بدورانها عبر أقطاب كهربائية خاصة. وعندما تم إطلاق موجات ألففين في هذه البيئة المحكمة، بدا للباحثين وكأن بنية الموجات تحولت بطريقة مدهشة، فظهر جلياً دوران الموجات المرئي بمنتهى الوضوح.
والأكثر إثارة، أن النتائج التي حصل عليها العلماء جاءت متطابقة مع ما توقعته النظريات القديمة حول سحب الضوء والدوران في الأوساط الابسط، أي الأوساط التي يُطلق عليها "وسطاً متجانساً" – وهي الأوساط التي لا تختلف خواصّها عند النظر إليها من أي زاوية.
نتائج واعدة.. من المختبر إلى الفضاء
هذا الاكتشاف ليس مجرد ظاهرة فضولية تحدث في مختبرات علمية فقط، إنما يحمل دلالات أكبر. إذ تشير هذه النتائج إلى أن مثل هذه العملية قد تحدث بشكل طبيعي في كثير من البيئات التي تتواجد فيها البلازما، وأبرزها الفضاء الخارجي، الذي تحكمه قوانين متشابهة لتلك التي اختبرها العلماء في المختبر.
يضيف غيرولت بتفاؤل: "تعتبر موجات ألففين شائعة في الكون بصورة كبيرة، وبالتالي قد تؤثر هذه الظاهرة على فهمنا لآليات وتفاعلات تحدث في بيئات كونية متعددة، مثل النجوم والكواكب وحتى الثقوب السوداء".
وبعيداً عن الفضاء، فإن هذه النتائج أيضاً تعد مبشّرة جداً في المجال التطبيقي العملي. فالتقنيات التي استخدمت لرصد هذه الظاهرة يمكن أن تقود إلى تطوير أدوات جديدة لاستشعار الدوران عن بُعد في منشآت توليد الطاقة المستقبلية القائمة على البلازما، كالمفاعلات الاندماجية أو أنظمة الدفع الفضائي.
الباحثون يأملون بالمزيد
ومع هذه الخطوة الأولى، لا يزال هناك الكثير ليكتشفه العلماء في هذا الموضوع، فكما يشرح غيرولت: "هذه واحدة فقط من بين التأثيرات المتعددة لحركة الوسط على الموجات، وهناك الكثير مما نرغب باكتشافه ودراسته بتعمق أكبر، سواءً في مجال تجارب المختبر أو لفهم الظواهر التي تشهدها الطبيعة على نطاق أكبر".
وبهذا، يقدم هذا الإنجاز العلمي نافذة جديدة يمكن من خلالها طرح أسئلة أكثر إثارة للمستقبل، وإذا أردنا مزيدًا من الوضوح، قد يكون من المفيد استبدال مصطلح "دوران الصورة" بمرادف أكثر تحديدا كمصطلح "التواء الموجة" مثلاً في المقالات القادمة، وذلك لإضفاء دقة أكبر للقراء الذين يتابعون بشغف أخبار العلم والتقنية.