رغم التوجه نحو الكهرباء.. لماذا لا تزال شاحنات الديزل الثقيلة الخيار المفضل؟

4 د
لا تزال شاحنات الديزل تسيطر بوضوح على الطرقات السريعة اليوم.
تتميز محركات الديزل بكثافة طاقة عالية وقدرة كبيرة على إنتاج عزم هائل.
رغم مزاياها، تواجه شاحنات الديزل تحديات بيئية وتكاليف تشغيل مرتفعة.
تشكل الشاحنات الثقيلة نسبة عالية من الانبعاثات الملوثة، مما يثير القضايا البيئية.
المستقبل يشهد اهتمامًا متزايدًا بالشاحنات الكهربائية كبديل مستدام طويل الأمد.
إذا تجولت على الطرقات السريعة اليوم، ستلاحظ بسهولة الحضور الطاغي للشاحنات الثقيلة العاملة بمحركات الديزل. رغم كل ما تردد عن الفضائح البيئية وقضايا التلاعب في اختبارات الانبعاثات "ديزلجيت" التي ضربت السيارات الخاصة بالديزل في السابق، لا يزال الديزل يحتفظ بمكانته كملك الطرق فيما يتعلق بالشاحنات الثقيلة، متفوقاً بفارق واضح على نظيره البنزين والكهرباء.
قوة وكفاءة تؤثر في استمرار سيطرة الديزل
المحركات العاملة بالديزل تمنح الشاحنات الثقيلة مزايا جوهرية تبدو أكثر ملاءمة لمهام النقل الثقيل. يكمن السر الأساسي في طبيعة الوقود ذاته؛ فالديزل أكثر كثافة بالطاقة، ويمتلك قدرة أكبر على إنتاج قوة جر هائلة (عزم دوران أكبر)، وهي ميزة جوهرية في عمليات النقل والمقطورات الثقيلة. على سبيل المثال، عند مقارنة شاحنات من طراز مثل فورد F-350 موديل 2025، نجد أن أقوى محرك بنزين بثمانية أسطوانات ينتج قوة جر تصل إلى نحو 29,500 باوند قدم، بينما محرك الديزل الأساسي للشاحنة يصل إلى 40,000 باوند قدم بفارق هائل في القوة والأداء.
لا يتوقف تميّز الديزل عند القوة فقط، فمحركات الديزل تتمتع أيضاً بعمر تشغيلي أطول، نظراً لأنها مصممة لتحمّل ضغوط تشغيلية مرتفعة بفضل تقنية الاحتراق والضغط العالي. وفضلاً عن ذلك، تؤكد اختبارات حديثة أن هذه المحركات تحقق كفاءة وقود تزيد بنسبة تقارب 20% مقارنة بمحركات البنزين، وهو ما يقلل تكاليف التشغيل خصوصاً مع المسافات الطويلة على الطرق السريعة.
ورغم أن مكاسب القوة والمتانة واضحة، إلا أن هذه المزايا الكبيرة لا تأتي من دون تكلفة إضافية، سواء عند شرائك للشاحنة، أو مصاريف الصيانة والتشغيل اليومية.
تحديات بيئية وتكاليف مرتفعة تقلل من جاذبية الديزل
صحيح أن محركات الديزل توفر قوة كبرى وعمرًا طويلًا للمحرك، إلا أن لها بعض السلبيات التي تجعلها خيارًا ليس بالأمثل بالنسبة للبعض. مثلاً، أسعار الشاحنات التي تستخدم محركات الديزل غالباً ما تكون أعلى من تلك التي تعمل بمحركات البنزين. أضف إلى ذلك أن أسعار وقود الديزل حالياً تجاوزت أسعار البنزين العادي، وبالتالي فإن تكاليف تشغيلها اليومي تكون مرتفعة أكثر، ناهيك عن الحاجة لإضافة سائل عادم الديزل (DEF) بشكل متكرر.
ولكن بعيداً عن الاعتبارات الاقتصادية، لا تزال أبرز السلبيات تتعلق بالقضايا البيئية. فلا شك أن فضائح مثل "ديزلجيت" في السابق تركت بصمة سلبية واضحة. حتى بعد إدخال تحسينات على التحكم في انبعاثات محركات الديزل بإضافة سائل عادم الديزل، ما زالت هذه الشاحنات تنتج نسباً مرتفعة بشكل ملحوظ من أكاسيد النيتروجين (NOx)، وهي من مسببات تلوث الهواء الأساسية وأمراض الجهاز التنفسي العديدة.
فطبقاً لتقرير صدر مؤخراً عن جمعية الرئة الأمريكية، تشكل الشاحنات الثقيلة حوالي 6% فقط من إجمالي السيارات على الطرق الأمريكية، لكنها مسؤولة عن حوالي 59% من انبعاثات النيتروجين الملوثة للهواء. كذلك أشار تقرير صادر عن فريق عمل الهواء النظيف (Clean Air Task Force) إلى أن هذه الانبعاثات تُسبب آلاف الوفيات وحالات الأمراض القلبية والتنفسية في البلاد كل عام، بتكاليف صحية تصل إلى مليارات الدولارات.
مستقبل الديزل في عصر الكهرباء والبيئة
ومع كل هذه التحديات البيئية والاقتصادية، يتساءل البعض هل ستتراجع شعبية محركات الديزل في ظل ازدهار مستقبل الشاحنات الكهربائية؟ الواقع الحالي يُظهر أن حصة الشاحنات الكهربائية لا تتجاوز حتى الآن نسبة 1% فقط من إجمالي الشاحنات الثقيلة في أمريكا. كثيرون يتوقعون تغيّراً تدريجياً مع تطور التكنولوجيا وانخفاض تكاليف الإنتاج والتشغيل، لكن في الأفق المنظور، من الصعب أن تتراجع شعبية الشاحنات التي تعمل بالديزل.
على الرغم من هذا التأثير السلبي والانتقادات الواسعة، تُظهر اتجاهات الأسواق أن الديزل يظل القوة المسيطرة في قطاع الشاحنات الثقيلة على المدى القريب والمتوسط. وربما يكون الحل الأكثر منطقية هو العمل على تقنيات تحدّ من الآثار البيئية لمحركات الديزل إلى أقصى قدر ممكن، مع تشجيع وتطوير البنية التحتية لاستخدام الشاحنات الكهربائية تدريجياً.
بهذه الطريقة، يبدو أن قطاع الشاحنات أمام مرحلة انتقالية معقدة: استمرار شاحنات الديزل بكثافة في الشوارع والطرق، ترافقها جهود موازية لتعزيز خيارات أكثر نظافة، تجعل القادم أمامنا مثيراً للاهتمام والتوقعات. ربما تكون السنوات المقبلة فرصة رائعة لمراقبة المشهد، ورؤية كيف سيوازن السوق بين القوة والتكاليف من جانب، وبين الوعي البيئي والمسؤولية الاجتماعية من جانب آخر.