زحل ليس كما تخيلناه… مفاجأة صادمة داخل غلافه الجوي!

3 د
كشف تلسكوب جيمس ويب عن ظواهر غير مألوفة في غلاف زحل الجوي.
رُصدت تكوينات كـ"خرزات داكنة" وأشكال نجمية غريبة في غلاف زحل.
يعتقد أن هذه الظواهر ترتبط بالعاصفة السداسية الشهيرة في القطب الشمالي.
قدرة جيمس ويب على رصد الأشعة تحت الحمراء أتاحت رؤية هذه التفاصيل المعقدة.
تواصل الأبحاث لفهم التغييرات الموسمية وتأثيرها على غلاف زحل الجوي.
في خطوة علمية أثارت دهشة الباحثين، كشف **تلسكوب جيمس ويب الفضائي** عن ظواهر غريبة داخل الغلاف الجوي لكوكب زحل، شملت تكوينات غير مألوفة أشبه بـ“خرزات داكنة” في طبقة الأيونوسفير، بالإضافة إلى شكل نجمي غير متماثل ظهر في طبقة الستراتوسفير. هذه البُنى قد تكون مرتبطة بـ“العاصفة السداسية” الشهيرة على القطب الشمالي لزحل، لكن حقيقتها ما زالت لغزاً محيّراً.
النتائج جرى عرضها خلال مؤتمر علمي في هلسنكي، ونقلها البروفيسور **توم ستالارد** من جامعة نورثمبريا، مؤكداً أن ما شاهده العلماء لم يكن متوقعاً على الإطلاق. يقول ستالارد: “كنا نعتقد أننا سنرصد فقط انبعاثات ضوئية عريضة من الهالة القطبية، لكن ما ظهر أمامنا كان تفاصيل دقيقة ومعقدة لم نرَ مثلها من قبل على أي كوكب آخر.”
وهذا يقود مباشرة إلى سؤال مهم: كيف استطاع جيمس ويب، وبفضل تقنياته البصرية تحت الأحمر، أن يكشف ما عجزت عنه حتى بعثات فضائية متقدمة مثل كاسيني؟
خرزات داكنة وأذرع نجميّة غامضة
خلال مراقبة استمرت عشر ساعات متواصلة في نهاية نوفمبر 2024، رصد فريق دولي من 23 باحثاً سلاسل من النقاط الداكنة أشبه بالخرز تتحرك ببطء داخل الأيونوسفير، أي على ارتفاع يفوق 1100 كيلومتر من سطح الكوكب. هذه التراكيب بدت ثابتة نسبياً لساعات، لكنها أظهرت انجرافاً تدريجياً مع مرور الوقت.
وعلى عمق أقل، بنحو 600 كيلومتر، ظهرت صورة مختلفة تماماً: تكوين نجمي غريب يمتد من القطب الشمالي نحو خط الاستواء. اللافت أن “النجمة” لم تكتمل؛ إذ بدت أربعة أذرع فقط واضحة بينما اختفى ذراعان آخران، مما منحها شكلاً غير متوازن.
الترابط بين الظاهرتين يفتح الباب لتفسير مثير: قد تكون هذه التراكيب نتيجة تداخل القوى المغناطيسية مع ديناميكية دوران الغلاف الجوي لزحل. وهذا بالذات يربطها مجدداً بالعاصفة السداسية العجيبة التي حيّرت العلماء لعقود.
ثورة في دراسة الغلاف الجوي للكواكب العملاقة
يشير الباحثون إلى أن انبعاثات الجزيئات في هذه الطبقات الجوية عادة ما تكون ضعيفة للغاية، حتى إن التلسكوبات الأرضية لم تستطع دراستها بشكل كافٍ. لكن **قدرة جيمس ويب على رصد الأشعة تحت الحمراء** منح العلماء نافذة جديدة لمتابعة التفاعلات الكيميائية والفيزيائية داخل الغلاف الجوي لزحل، وخاصة دور أيونات الهيدروجين الثلاثي H3+ التي تكشف عن طبيعة العمليات الطاقية والحرارية هناك.
وبما أن الخرائط الطيفية أظهرت توافقاً مكانياً بين مواقع “الخرزات” و”الأذرع النجمية” مع خطوط تتطابق مع رأس العاصفة السداسية، بات من الواضح أن هناك عموداً عملاقاً من الظواهر يمتد عبر طبقات الكوكب العليا وصولاً إلى غيومه الكثيفة. وهذا يفتح احتمالية أن تكون هذه الظواهر متصلة بنقل الطاقة المغناطيسية وصعودها عبر أجواء زحل.
وبلمسة تحليلية، البعض يرى أن هذه النتائج قد تمنحنا فهماً أوسع ليس فقط لكوكب زحل، بل أيضاً لكيفية عمل الأغلفة الجوية على الكواكب العملاقة الأخرى مثل المشتري وأورانوس ونبتون.
ماذا بعد؟
الفريق العلمي يؤكد أن الملاحظات الحالية مجرد بداية. فتعاقب الفصول على زحل، الذي يستغرق حوالى 15 سنة أرضية، قد يغيّر المشهد بشكل جذري مع دخول النصف الشمالي للكوكب في خريفه. من هنا تأتي الحاجة الملحة لأرصاد متابعة بتلسكوب جيمس ويب تسمح برصد هذه التراكيب أثناء مرحلة التحول الموسمي.
وبذلك يصبح زحل مختبراً مفتوحاً لفهم الفيزياء المعقدة للغلاف الجوي والمجال المغناطيسي، وربما لتقديم إجابات عن ظواهر ظلّت غامضة لعقود. وهذا يربط بشكل مباشر بين التقدم التكنولوجي وأفقنا المتوسع في معرفة أسرار الكون.
خاتمة
باختصار، ما وجده تلسكوب جيمس ويب في غلاف زحل ليس مجرد صور غريبة، بل دلائل على أن هناك ديناميكيات جوية ومغناطيسية أعقد بكثير مما توقعناه من قبل. وبين “الخرزات الداكنة” والنجمة الناقصة والأثر المحتمل للعاصفة السداسية، يبدو أن قصة زحل لم تُروَ كاملة بعد – والتلسكوب الجديد قد يكون النافذة الأهم لاستكمال فصولها.









