ذكاء اصطناعي

زلزال أثري في طيبة: اكتشاف تحت معبد الكرنك يعيد كتابة قصة الفراعنة من جديد!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشاف جديد في معبد الكرنك يكشف سرًّا تاريخيًّا عمره 4500 سنة.

العلماء وجدوا أن الكرنك بُنِي فوق جزيرة طبيعية تشكّلت بفعل تغيّر مجاري النيل.

الدراسة أثبتت تفاعل المصريين مع بيئتهم لصياغة معتقداتهم الدينية.

الاكتشاف يعيد تشكيل تاريخ طيبة ويربط بين الأسطورة والجغرافيا.

معبد الكرنك يمثل شهادة على تفاعل الإنسان والماء والأرض في الحضارة المصرية.

اكتشاف علمي جديد يهزّ عالم الآثار المصرية ويعيد صياغة فهمنا لأحد أقدس مواقع الحضارة القديمة: معبد الكرنك في الأقصر. تحت الأرض التي تعجّ بآلاف الزوار يوميًّا، وجد الباحثون ما يبدو أنه دليل على رابط خفي بين المعبد وأسطورة الخلق في مصر القديمة.

في قلب مدينة الأقصر، وعلى الضفة الشرقية للنيل، يقف معبد الكرنك كأيقونة دائمة للحضارة المصرية بجدرانه الضخمة وتماثيله المهيبة. لكن فريقًا من علماء الجيولوجيا الأثرية اكتشف أن هذا المعبد لم يُقم اعتباطًا في هذا الموضع، بل بُني فوق **جزيرة طبيعية** تشكّلت قبل نحو **4500 سنة** بفعل تغيّر مجاري النيل. هذه الجزيرة، التي كانت محاطة بالمياه من كل جانب، مثّلت في نظر المصريين القدماء رمزًا لـ **التلّ الأزلي** الذي خرج من المياه الأولى عند بدء الخليقة.

وهذا يقودنا إلى الجزء التالي من القصة الذي يربط بين الجغرافيا والمعتقدات في واحدة من أعمق صور الإبداع الإنساني.


جزيرة النشأة وأصل المعتقد


بحسب الدراسة التي نُشرت في مجلة *Antiquity* تحت إشراف جامعة كامبريدج، استند الفريق إلى تحليل أكثر من **61 عيّنة من طبقات التربة** وحفر عميق في محيط الموقع. تشير النتائج إلى أن المنطقة كانت جزءًا من فيضان النيل القديم حتى عام 2500 قبل الميلاد تقريبًا، ثم تغيّرت تدفّقات النهر لتشكّل مرتفعًا رمليًّا جافًا يصلح للبناء والاستقرار.

من هنا بدأت الخطوة الأولى لبناء صرح الكرنك، إذ شيّد المصريون الأوائل أول معالمهم فوق هذه الجزيرة التي اعتبروها تجسيدًا للأرض الأولى التي أنشأ عليها الإله **رع-آمون** الكون. وهكذا امتزج الأسطوري بالواقعي، والمقدّس بالجغرافي.

وهذا يفتح الباب أمام تساؤل أعمق حول كيفية تفاعل المصريين القدماء مع بيئتهم واستثمارهم لعناصرها في صياغة معتقداتهم.


تفاعل الإنسان والنهر عبر الزمن


الدراسة كشفت أيضًا أن فرعين من النيل – أحدهما شرقي والآخر غربي – أحاطا بالمكان القديم. مع مرور القرون، جفّ هذان المجرَيان تدريجيًّا، الأمر الذي سمح للمصريين بالتمدد العمراني وإعادة تشكيل تضاريس المكان بأنفسهم. بل تُظهر الأدلة أنهم قاموا أحيانًا **بردم القنوات القديمة بالرمال** بغية إنشاء مساحات للبناء الطقسي.

يقول الدكتور بن بنينغتون، الباحث في جامعة ساوثهامبتون وقائد الفريق، إن “المصريين لم يتركوا الطبيعة تتحكم بهم، بل كانوا يتفاعلون معها بوعيٍ دينيٍّ عميق. لقد حولوا بيئتهم إلى انعكاس لكوْنهم المقدّس”.

ومن هنا ننتقل إلى معنى الاكتشاف المعاصر وتأثيره في إعادة قراءة تاريخ طيبة والكرنك.


انعكاس الأسطورة في الحجر والتاريخ


لطالما اعتُبر الكرنك مركزًا دينيًّا ضخمًا ظهر في الدولة الوسطى، أي بعد عام 2000 قبل الميلاد. غير أن النتائج الجديدة تدفع تاريخه إلى الوراء بنحو قرنين إضافيين، ليصبح من أوائل المراكز الدينية في الدولة القديمة. هذا التحول الزمني لا يضيف فقط طبقة جديدة من القدم، بل يعيد رسم فهمنا لكيفية تشكّل **طيبة** كعاصمة روحية لمصر، قائمة على رؤية للبيئة امتزجت فيها الأسطورة بالعلم، والطبيعة بالمعمار.

وهذا الترابط بين المعتقد والبيئة يعزز الفكرة القائلة إن المصريين القدماء لم يبنوا معابدهم كيفما اتفق، بل كانوا يختارون مواقعها بعناية لتجسيد مفاهيمهم الكونية.


إعادة تعريف قدسية المكان

ذو صلة


اليوم، وبعد آلاف السنين، يقف معبد الكرنك كجزء من **موقع التراث العالمي لليونسكو**، يستقبل ملايين الزوار الذين يبهَرون بعظمة أعمدته ولم يدركوا أن أساساته تخفي سرًّا كونيًّا متجذرًا في تفاعل الإنسان والماء والأرض. الاكتشاف الجديد لا يضيف فصلًا في تاريخ المعمار فحسب، بل يفتح بابًا على فهم أعمق لروح المصري القديم الذي رأى في الجغرافيا مقدّمة للأسطورة وفي المعبد مرآةً للكون ذاته.

بهذا، يتحول الكرنك من مجرد معبد تاريخي إلى شهادة على عبقرية حضارة امتلكت القدرة على توحيد الأرض والسماء في حجرٍ باقٍ عبر العصور.

ذو صلة