ذكاء اصطناعي

سحابة غامضة تمتد 1800 كيلومتر على المريخ تربك العلماء!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

تظهر سحابة بيضاء عملاقة فوق بركان "أرسيا مونس" على المريخ كل شتاء.

قاد فريق دولي المحاكاة الرقمية للسحابة بعد تعديل كمية البخار المائي في الجو.

تبين أن تضاريس البركان تلعب دورًا حاسمًا في تشكل السحابة وتلاشيها سريعًا.

يظهر البحث أن توزيع الرطوبة على المريخ قد يكون أكثر تنوعًا من المتوقع.

تأتي دراسة السحابة كجزء من جهود لفهم الظواهر المريخية المعقدة والطقس فيها.

في مشهد يبدو وكأنه من فيلم خيال علمي، تظهر كل شتاء على سطح المريخ سحابة بيضاء ضخمة تمتد لأكثر من 1800 كيلومتر فوق بركان "أرسيا مونس"، ثم تتلاشى كأنها لم تكن بحلول منتصف النهار. هذه الظاهرة المحيرة أربكت العلماء لسنوات طويلة قبل أن يكشف بحث حديث عن تفسير غير تقليدي لما يجري في سماء الكوكب الأحمر.

منذ بدء مراقبة المريخ عبر المسبار الأوروبي **Mars Express** مطلع الألفية، لاحظ العلماء تشكّل خط أبيض ضيق وممتد فوق الجنوب المريخي في لحظات الفجر، يعرف اليوم باسم **سحابة أرسيا مونس الطويلة (AMEC)**. كان المشهد مدهشاً: رداء من بخار الماء أو الجليد، يتكوّن في البرد القارس ويختفي بالكامل بعد ساعات قليلة.
وهذا يقودنا إلى التساؤل عن السبب وراء هذا الظهور الدوري، وعن الآليات التي تجعلها تتكرر في نفس الموضع والزمن تقريباً كل عام مريخي.


محاكاة جديدة تقلب الفرضيات القديمة

قبل فترة وجيزة تمكن فريق دولي بقيادة عالم الغلاف الجوي خورخي هيرنانديز-برنال من جامعة السوربون من إعادة إنتاج السحابة افتراضياً في محاكاة رقمية بعد تعديل بسيط لكنه جوهري: **زيادة كمية بخار الماء المفترضة في الغلاف الجوي للمريخ** إلى مستويات أعلى بكثير مما كان يعتقد سابقاً. النتيجة كانت مذهلة، إذ ظهرت في النموذج سحابة تطابق تقريباً الصور الحقيقية التي التقطتها الأقمار الصناعية.
وهذا التحوّل في التفكير يربط بين دراسة الفريق وبين مفهوماً فيزيائياً دقيقاً يسمى “التكاثف المتجانس” أو **Homogeneous Nucleation**، حيث يتجمّع بخار الماء مباشرة ليشكل بلورات جليد من دون الحاجة إلى جسيمات غبارية تكون نوى تكاثف، كما يحدث عادة على الأرض.


تضاريس المريخ ودورها في الظاهرة

وتبيّن من الدراسة أن تضاريس **أرسيا مونس** — وهو بركان خامد يعادل ضعفي ارتفاع جبل إيفرست — تلعب الدور الحاسم. فالهواء البارد يتحرك فجراً على المنحدر الغربي للبركان فيتبرد سريعاً، مما يخلق شريطاً ضيقاً من الهواء فائق الإشباع تتشكل فيه السحابة. ومع أولى أشعة الشمس وتسخّن طبقات الجو العليا، تنحل التركيبة سريعاً وتختفي السحابة.
وهذا يربط بين الظاهرة المريخية وبين ما يُعرف على الأرض بالسحب "الأوروغرافية" التي تتكون عند قمم الجبال، لكن الفارق الكبير أن **السحابة المريخية منفردة ومحلية للغاية** وغير مرتبطة بنظام طقس عالمي.


دلالات جديدة لفهم الغلاف الجوي المريخي

ويشير نشر الدراسة في مجلة *Geophysical Research Letters* إلى أن هذه السحابة تظهر دائماً أثناء الانقلاب الجنوبي للمريخ، ما يعني أن توقيتها مرتبط بزاوية سقوط الضوء الشمسي على البركان. من خلال هذا، بدأ العلماء في إعادة تقييم تصوراتهم عن توزيع بخار الماء والرطوبة على الكوكب الأحمر. فإذا كانت هناك مناطق أو "جيوب" غنية بالرطوبة بالقرب من الجبال أو الفوهات، فقد تفسر ذلك جزئياً **نشاط العواصف الترابية** أو **دورات الصقيع** وحتى **التغيرات الموسمية** في الطبقات الجليدية الجوفية.


آفاق جديدة للبحث والاستكشاف

ذو صلة

في الأعوام الأخيرة دعمت بيانات من مسباري **Mars Reconnaissance Orbiter** و**ExoMars Trace Gas Orbiter** هذه الاحتمالات؛ حيث رُصدت مستويات مرتفعة من بخار الماء عند الفجر ومؤشرات على تشكّل بلورات جليدية دقيقة. كل تلك الإشارات تدفع العلماء إلى إعادة صياغة نماذج المناخ المريخي، مع احتمال كبير بأن الغلاف الغازي للكوكب أكثر حيوية وتنوعاً مما اعتقدناه.

في النهاية، يرى الخبراء أن فهم آلية تشكل سحابة "أرسيا مونس" ليس مجرد لغز بصري جميل، بل مفتاح لمعرفة كيف يعمل الطقس خارج كوكبنا، وكيف يمكن لعمليات بسيطة كتكاثف البخار أن تكشف عن تعقيدات جديدة في عالم المريخ الصامت.

ذو صلة