ذكاء اصطناعي

شركات الطيران تعتمد على زيت الطهي المستعمل لخفض الانبعاثات البيئية

محمد كمال
محمد كمال

4 د

يُستخدم زيت القلي المستعمل كوقود بديل في الطائرات لتقليل الانبعاثات الكربونية.

تُشارك شركات كبرى في جمع الزيوت المستعملة لدعم أهداف الطيران المستدامة.

توفر زيوت الطهي المستعملة خفضًا كبيرًا في البصمة الكربونية للطائرات.

التحديات تشمل محدودية الموارد وصعوبة توفير كميات كافية لتلبية الطلب.

ضرورة البحث عن حلول بديلة للطيران المستدام مثل الهيدروجين الأخضر.

في عصر تتسارع فيه التغيرات المناخية وتشدد المجتمعات الدولية على ضرورة الحد من الانبعاثات الكربونية، يبرز سؤال محوري: إلى أي مدى يمكن التفكير خارج الصندوق لتحديث مصادر الطاقة؟ مؤخراً، قررت بعض شركات الطيران العالمية أن تجيب على هذا السؤال… بزيت القلي المستعمل! نعم، الزيت الذي يقلي البطاطس في مطاعم الوجبات السريعة أصبح اليوم منافساً قوياً لكيروسين الطائرات التقليدي، لكنه يثير أيضاً جدلاً واسعاً حول حقيقة الاستدامة وقدرة البدائل البيئية على تلبية طموحات القطاع الجوي.

بدأ الاهتمام باستخدام زيت الطهي المستعمل كوقود للطائرات مع الرحلة القصيرة التي أطلقتها الخطوط الملكية الهولندية KLM في 2011، إلا أن النقلة النوعية كانت مع الرحلة التاريخية لشركة “فيرجن أتلانتيك” العابرة للأطلسي، حيث حلّق الطيارون لمسافة طويلة معتمدين على هذا الوقود. ورغم أن الغالبية العظمى من الرحلات التجارية تستخدم حالياً مزيجاً يحتوى على جزء من هذا الوقود المستدام، إلا أن التجارب كانت كافية لدفع الشركات العملاقة كـ“ماكدونالدز” و“برغر كينغ” للمشاركة بتوفير الزيوت المستهلكة، أملاً في تحقيق أهداف صناعة الطيران لبلوغ “صفر انبعاثات” بحلول عام 2050. في هذا السياق، تصف الإحصاءات الصادرة عن وزارة الطاقة الأميركية أن أكثر من 360 ألف رحلة جوية حول العالم جرت باستخدام وقود الطيران المستدام خلال السنوات الأخيرة.

تقنيات الوقود البديل: هل هي فعلاً صديقة للبيئة؟
ما يثير الانتباه أن الوقود المستخرج من المخلفات، وعلى رأسها زيوت الطهي المستعملة، يحقق بحسب خبراء البيئة خفضاً في البصمة الكربونية بنسبة قد تصل إلى 85% مقارنة بالكيروسين التقليدي. ومن اللافت أن الطائرات ليست بحاجة فعلياً إلى تعديلات تقنية جوهرية لاستخدام هذا النوع من الوقود، إذ يتم تنقية الزيت وتحويله ليشبه من حيث المواصفات الفيزيائية سائل الطيران التقليدي. ولكي تتضح الصورة أكثر، أكدت أبحاث جامعة بوزنان البولندية أن استخدام الوقود الحيوي يساهم أيضاً في تقليل الجسيمات الدقيقة الملوثة المنبعثة من عوادم الطائرات، ما يحسن جودة الهواء ويقلل من أمراض الجهاز التنفسي المرتبطة برحلات الطيران، خاصة أن بعض الدراسات ربطت تلوث الطيران بآلاف الوفيات سنوياً.

ومع ذلك، لا تزال هذه القفزة البيئية تواجه تحديات معقدة تتعلق بمدى واقعية تعميمها. فبالعودة للسياق، فإن حجم الطلب السنوي على الوقود في قطاع الطيران هائل جداً، ويصعب عملياً توفير كميات من زيت القلي المستعمل تكفي لسد هذا الاحتياج حتى مع تكثيف عمليات جمع النفايات الزراعية والغذائية. وهنا يوضح باحثون أميركيون أن إمدادات العالم من هذا الزيت محدودة أصلاً، وعدد الأماكن التي يمكن جمعها بشكل “مستدام” أقل بكثير من المطلوب.


صعوبات التوسع وتحدي الاستدامة الحقيقية

يصعب تجاهل قضية التوسع. فمن ناحية اقتصادية، يظل إنتاج وقود الطائرات المستخلص من المخلفات أكثر تكلفة، مما قد يدفع بعض شركات الطيران للبحث عن بدائل أسهل مثل إنتاج الوقود الحيوي من المحاصيل الزراعية كالذرة وفول الصويا. وهنا تظهر أزمة أخلاقية وإنسانية: زراعة محاصيل لإنتاج وقود للطائرات بدلاً من توفير الغذاء، في عالم يعاني فيه واحد من كل عشرة أشخاص من الجوع. منظمات مثل “معهد الموارد العالمية” حذرت صراحة من أن تحويل الأراضي الزراعية من الغذاء للوقود سيزيد من انبعاثات الغازات الضارة وسيضاعف الضغط على الأراضي والموارد التي يحتاجها الفقراء.

هذه المعضلة دفعت الاتحاد الأوروبي إلى رفض استخدام الوقود الحيوي المستخرج من زراعة المحاصيل مباشرة، في حين لا تزال الولايات المتحدة تخوض جدلاً حول تشجيع هذا النوع من الدعم الحكومي للوقود البديل عبر الحوافز الضريبية. ويجدر التذكير أن الاستمرار في التوسع في الوقود المستخرج من المحاصيل بدل المخلفات سيقود لنتائج عكسية تماماً على صعيد المناخ وسلاسل الإمداد الغذائية.


خيار واعد أم خطوة ناقصة؟

ذو صلة

من الواضح إذن أن زيت القلي المستعمل يقدم فرصة حقيقية لخفض الانبعاثات وتحسين صورة الطيران عالمياً، لكنه يصطدم بجدار محدودية الموارد وصعوبة التنفيذ على نطاق موسّع. هذا يضع العالم أمام مفترق طرق: إما البحث بجدية عن أشكال أخرى مستدامة من وقود الطيران كالهيدروجين الأخضر، أو دعم البنية التحتية لجمع المخلفات العضوية بشكل أكثر نظامية. وبين التحديات التقنية، وتضارب المصالح الاقتصادية، يظل النقاش البيئي حول استدامة الطيران في صلب أولويات الصناعة والسلطات التشريعية.

في نهاية المطاف، يبدو شعار “من المقلاة إلى السماء” مغرياً وملهماً، لكنه يتطلب قدراً أعلى من التنظيم لتفادي الاستسهال في اللجوء للحلول الزراعية التي تتناقض مع مبادئ العدالة المناخية والغذائية. ربما يكون من الأنجع عند تناول هذا النوع من المواضيع استخدام عبارات أكثر تحديداً بدلاً من التعميم، أو اعتماد مرادفات ذات دلالة تقنية أقوى كلما سنحت الفرصة لشرح الفروقات في طرق إنتاج الوقود البديل، ما سيدعم فهم القارئ للمفاهيم المتنوعة ضمن ملف الحياد الكربوني في قطاع الطيران.

ذو صلة