علماء يحاولون إعادة إحياء رائحة المومياوات بعد آلاف السنين!

3 د
تمكن فريق من جامعة ليوبليانا والمتحف المصري من إعادة تكوين رائحة التحنيط.
استُخدمت تقنيات تحليل علمية ومتطوعون لوصف المزيج العطري الخشبي الحلو.
يمثل الاعتماد على الشم وسيلة لاستكشاف التراث وغير مدمرة.
تعاون مصري أوروبي أضاف مصداقية لتوثيق الروائح المرتبطة بفهم التاريخ.
الخطة تتضمن تطوير عطر متاح للزوار لتعزيز التجربة الشمية في المتاحف.
في إنجاز علمي لافت فاز فريق بحثي من جامعة ليوبليانا في سلوفينيا والمتحف المصري بالقاهرة بجائزة معرض **Gizmodo Science Fair 2025** بعدما تمكن من إعادة تكوين الرائحة التي صاحبت عملية تحنيط المومياوات منذ آلاف السنين. هذه التجربة المدهشة لا تعيد فقط حاسة الشم إلى قلب التاريخ، بل تفتح نافذة جديدة لفهم عادات المصريين القدماء ومعتقداتهم الجنائزية.
الفضول العلمي قاد الباحثين إلى سؤال بسيط لكنه عميق: **كيف كانت رائحة المومياء أثناء التحنيط، وما الذي تكشفه الروائح عن الطقوس الجنائزية؟** النتيجة جاءت في شكل مزيج عطري يجمع بين لمحات من الكتان المعتّق، وصمغ الصنوبر، والزيوت الحمضية، مع أثر لمواد طاردة للآفات. المفاجأة أن العبق كان دافئاً ومريحاً، بعيداً عن الصورة المخيفة التي تلتصق عادة بعالم الموت.
تقنيات علمية... وأنوف بشرية
لتوثيق هذه الروائح، استخدم الفريق أسلوبين متكاملين. أولاً، جُمعت جزيئات متطايرة من محيط المومياوات وحُللت عبر **الكروماتوغرافيا الغازية**، فظهرت مجموعة واسعة من المركبات المرتبطة بالتحنيط مثل الزيوت النباتية والراتنجات. كما رصدوا آثاراً لمنتجات التحلل الطبيعي ولخشب التوابيت، بالإضافة إلى مواد حافظة استخدمها المرممون المعاصرون.
لكن العلم لم يكتفِ بالأجهزة وحدها. فقد استعان الباحثون بلوحة من متطوعين مدرّبين على وصف الروائح باستخدام حواسهم المباشرة. هؤلاء وصفوا المزيج بأنه خشبي، حلو، حاد أحياناً، وحتى لاذع، لكنهم أجمعوا على وجود الطابع الخشبي الواضح. وهذا ما جعله اختباراً يجمع بين الكيمياء والتحليل الحسي.
وهنا يبرز الربط مع السياق الأوسع: الاعتماد على حاسة الشم ليس مجرد تجربة جانبية، بل وسيلة غير مدمرة لاستكشاف التراث، وهو ما يعزز أدوات البحث الأثري المعاصر.
أهمية الرائحة في فهم الماضي
الرائحة عابرة بطبيعتها؛ الجزيئات التي تمنح الأشياء رائحتها تتحلل مع الزمن. لذا، الحفاظ على العبق التاريخي يحدث نادراً، وغالباً ما تطغى عليه المواد الحافظة. الباحثة إيما باولين، المتخصصة في روائح التراث، أوضحت أن بعض القطع الأثرية صُممت بالأساس لتفوح منها رائحة كالبخور أو العطور، ما يجعل فقدانها خسارة حقيقية لفهم الحضارات.
الأكثر إثارة أن الرائحة مرتبطة مباشرة بالذاكرة والعاطفة في الدماغ، ما يعني أن استعادتها يتيح للجمهور تجربة وجدانية تُقربه من الماضي أكثر من النصوص أو الصور وحدها. ومن هنا قرر الفريق التعمق في أشهر عملية جنائزية عرفها التاريخ: التحنيط المصري.
تعاون وثيق بين مصر وأوروبا
التجربة لم تكن ممكنة دون التعاون مع متخصصين مصريين في المتحف المصري بالقاهرة. ثلاثة أرباع أعضاء لجنة تقييم الروائح كانوا علماء آثار وباحثين مصريين لهم خبرة مباشرة في التعامل مع المومياوات. هذا التحقق المحلي أعطى مصداقية إضافية للتجربة، خاصة أن الروائح الناتجة عن التحليل الكيميائي تطابقت مع خبراتهم الميدانية.
وما يربط هذه الجهود بمستقبل المتاحف هو البعد التطبيقي: إمكانية الاعتماد على حاسة الشم لرصد أي بوادر تدهور في المومياوات داخل المعروضات، وهو ما يوفر تحذيراً مبكراً ويساعد في صيانة التراث.
من المختبر إلى الجمهور
الخطوة التالية لا تقل إثارة: يعمل الفريق حالياً على تطوير عطر متاح للزوار في المتحف المصري يجسد رائحة المومياء القديمة. الباحثون يؤكدون أن تحويل النتائج المخبرية إلى عبوة عطرية عملية معقدة، لأن فهم التركيب الكيميائي ليس كافياً وحده؛ بل يجب ضبط النسب بعناية للحصول على عبق مطابق.
هذا المشروع يمهد الطريق لمعارض مستقبلية تتمحور حول **التجربة الشمية**، ما يعني أن جمهور المتاحف لن يكتفي بعد الآن برؤية الآثار، بل سيشم عبقها أيضاً، ليقترب أكثر من عوالم المصريين القدماء.
في النهاية، أثبتت التجربة أن **الرائحة ليست مجرد رفاهية حسية، بل أداة معرفية** قادرة على إعادة وصل الناس بذاكرتهم الحضارية. ومع توسع الأبحاث وتعاون المتاحف حول العالم، قد يصبح استنشاق عبير الماضي جزءاً طبيعياً من رحلاتنا لفهم التاريخ.









