ذكاء اصطناعي

علماء يرفعون حرارة الذهب إلى 14 ضعف غليانه… واكتشاف ينسف نظرية صمدت لعقود

محمد كمال
محمد كمال

4 د

استخدم العلماء ليزرًا قويًا لتسخين الذهب بأكثر من 14 ضعف نقطة غليانه.

تجاوزت حرارة الذهب 19 ألف درجة مئوية، مما أسقط نظرية قديمة في فيزياء المواد.

هذا الاكتشاف قد يغير تقنيات الفضاء ومفاعلات الاندماج النووي بقياسات حرارية دقيقة.

النتائج تحفز على مزيد من التجارب على المعادن الأخرى كمثل الفضة والحديد.

تشجع الدراسة على إعادة التفكير في الخصائص الحرارية والتطبيقات العملية الجديدة.

تخيل أن مجموعة من العلماء اجتمعت داخل أحد مختبرات الفيزياء البارزة حول العالم، ومن أمامهم قطع صغيرة من الذهب اللامع وعدد من أجهزة الليزر العملاقة عالية الطاقة. في لحظة حماسية، قرر الباحثون إطلاق أشعة الليزر على الذهب بقوة هائلة، لتبلغ درجة حرارة المعدن مستويات لم تصل إليها من قبل—أكثر من 14 ضعف نقطة الغليان المعتادة للذهب! وبينما خيم الصمت على المختبر للحظات، راود البعض شعور طفيف بالقلق من أنهم ربما كسروا أحد القوانين الأساسية للفيزياء، لكن المفاجأة كانت أنهم بدلاً من ذلك، دحضوا نظرية شهيرة في فيزياء وخصائص المواد صمدت عقودًا.


 رصد حرارة غير مسبوقة وتحطيم نظرية قديمة

ما حدث في مختبر «سلاك» الوطني لتسريع الجسيمات في الولايات المتحدة يقلب المفاهيم التي طالما اعتمد عليها الفيزيائيون والكيميائيون حول الحدود الحرارية للمواد الصلبة، وتحديدًا الذهب. فقد تمكن الباحثون لأول مرة من قياس درجة حرارة الذهب ضمن ظروف بالغة التطرف—سواء من حيث الضغط أو الحرارة أو الكثافة—بطريقة مباشرة ودقيقة. وباستخدام تقنيتهم الجديدة القائمة على ضرب عينة الذهب بالليزر ثم تعريضها لأشعة سينية فائقة القوة، تمكّنوا من تتبع تغيرات تردد الأشعة المنعكسة وتحليلها لمعرفة حركة الذرات والحرارة الفعلية التي بلغتها المادة. الأهم أن الفريق لاحظ أن الذهب في هذه الظروف دخل حالة فريدة بين الصلابة والانصهار—مرحلة تعرف بالتسخين الفائق—واستمر كذلك لفترة وجيزة قبل أن يتفكك.

وهذا الاكتشاف لا يقف عند حدود التجربة، فنتيجته غيرت ما كان يعتقده العلماء لعقود طويلة: فقد أعادت التجربة النظر في نظرية شهيرة كانت تفترض أن المواد مثل الذهب لا يمكن تسخينها لأكثر من ثلاثة أضعاف نقطة غليانها (أي في حدود ألفي درجة مئوية تقريبًا). وإلا، سيتسبب ذلك في "كارثة إنتروبيا"—أي انفجار ذرات المعدن. إلا أن فريق سلاك تجاوز هذا السقف بكثير، فأسقطوا النظرية رأسًا على عقب حين بلغت حرارة الذهب نحو 19 ألف درجة مئوية لفترة نانوية قصيرة قبل أن ينفجر المعدن أخيرًا.

ومع تجاوز نتائج التجربة حدود التصورات القديمة، يبرز تساؤل جديد حول ما إذا كان الذهب—وربما مواد أخرى أيضاً—يملك في الواقع "حد تسخين فائق" قابل للكسر تحت شروط مثالية.


لماذا يهمنا قياس حرارة المواد بهذه الدقة؟

ربما تظن أن الحديث عن تسخين الذهب مجرد مغامرة مخبرية، لكنه في الواقع يحمل بين طياته تطبيقات عميقة قد تغير معادلات التكنولوجيا حولنا، خاصة في مجال استكشاف الفضاء وتطوير مفاعلات الاندماج النووي. فالتمكن من قياس درجة الحرارة الفعلية لمواد تعرضت لتسخين هائل بات محورياً لفهم ما يجري داخل النجوم، أو لحماية مقدمة المركبات الفضائية أثناء الدخول للغلاف الجوي، أو حتى لضبط شروط مفاعلات الطاقة النووية. وكما أوضح رئيس فريق الباحثين: "العلماء لطالما اعتمدوا في قياساتهم على مؤشرات غير مباشرة لدرجة الحرارة، مثل تغير حجم الزئبق في موازين الحرارة، وليس درجة الحرارة ذاتها".

تلك الطرق التقليدية تصبح عقيمة تماماً في ظل الحالات القصوى، حيث تصعب مراقبة التغيرات أو حتى استمرار المادة المتعرضة للاختبار لزمن كافٍ. لذا، يمثل تطوير تقنية تسمح برصد درجة الحرارة الحقيقية في لحظات قصيرة جداً إنجازاً سيحدث فرقًا في تصميم المركبات الفضائية (مثل تركيب المخروط الأمامي المقاوم للحرارة) أو المواد المستخدمة داخل مفاعلات الاندماج.

وهذا يربط بين التجربة الجديدة وتطلعات علماء الهندسة النووية وخبراء الفضاء نحو مواد أكثر قدرة على الصمود تحت أقسى الظروف. فمعرفة درجة الحرارة في لحظات اشتعال المفاعل أو اختبار مواد الدرع الحراري يمكن أن تفتح أبواب الابتكار في جميع هذه المجالات.


اختراق علمي يدعو لإعادة التفكير وتجارب أعمق

نجاح الفريق في التأكد من أن الذهب لم ينفجر فوراً بل استمر في حالة التسخين الفائق لجزء من تريليون الثانية، عزز قناعة الباحثين بضرورة تطبيق نفس التجربة على معادن أخرى مثل الفضة والحديد. بالفعل، بدأت النتائج الأولى تظهر مبشرة، وقد تكون تمهيداً لاكتشاف علاقات جديدة حول خصائص المواد عندما تتعرض لظروف لا تشبه شيئاً مما عرفناه سابقاً. وتأتي هذه التجارب في وقت يتسارع فيه السباق الدولي نحو إنشاء مفاعلات اندماج عالية الأداء تعتمد أساساً على مواد مثل الذهب لتوليد أشعة سينية قادرة على رفع حرارة البلازما.

وهكذا، أصبحت التقنية الجديدة بمثابة "ميزان حرارة" دقيق لمهندسي الطاقة ومستكشفي الفضاء لرصد التفاعلات الداخلية لأي مادة حتى في أقصى درجات العنف أو الضغط. وقد عبر أحد قادة المشروع عن امتنانه قائلاً: "شعور فريد أن يكون عملي هو تفجير عينات بالليزر العملاق لتحقيق اكتشافات كهذه".

ذو صلة

وإذا تأملنا في الربط بين هذه التجارب وما يحدث داخل النجم أو المفاعل النووي أو حتى في الجانب العملي لتصميم مواد لمنصات الإطلاق الفضائية، ندرك أن كل خطوة ضمن هذا الطريق العلمي توسع حدود المألوف وتقودنا لأجيال جديدة من الابتكارات والمعرفة.

في النهاية، تعلن هذه الدراسة عن بداية فصل جديد في فيزياء المواد، حيث لا تصبح الحدود الحرارية مجرد خطوط ثابتة بل احتمالات مفتوحة تنتظر التأكيد أو الدحض عبر المزيد من الاختبارات. ومن اللطيف أن يجرب الباحثون استبدال تعبير "تفجير الذهب" بـ "رفع الذهب إلى حالات متطرفة"، ليمنحوا القصة عمقاً دلالياً أهدأ، كما قد يكون من الفائدة توضيح الربط بين هذه التجارب ومستقبل مواد الفضاء ومفاعلات الطاقة في جملة ختامية تُذكّر القارئ بترابط كل هذه الاكتشافات مع حياتنا اليومية ومشاريع الغد.

ذو صلة