علماء يكتشفون شكلاً من الجليد يتحدى قوانين الفيزياء!

3 د
أعلن العلماء عن اكتشاف شكل جديد من الجليد "الجليد XXI" يتشكّل تحت ضغط عالي.
يمثّل الجليد XXI لحظة تقدم هائلة في فهم سلوك الماء تحت ضغوط فائقة.
يمكن أن يكون هذا الاكتشاف أساسًا لفهم طبيعة الكواكب الجليدية في النظام الشمسي.
يظل هذا الجليد مستقرًا لفترة قصيرة قبل التحول إلى أشكال مستقرة أخرى.
تعزز الدراسة فهم تحول الماء من السائل إلى الصلب في ظروف ضغط مختلفة.
في واحدة من أكثر الاكتشافات العلمية إثارة في فيزياء المادة، أعلن فريق دولي من الباحثين بقيادة معهد المعايير والعلوم الكوري **KRISS**، وبالتعاون مع مركز **DESY** الألماني ومختبر الأشعة السينية الأوروبية **XFEL**، عن رصد شكل جديد تماماً من الجليد أطلقوا عليه اسم **"الجليد الحادي والعشرون – Ice XXI"**. المفاجأة أن هذا الجليد يتكوّن **في درجة حرارة الغرفة**، لكن تحت ضغط يفوق الضغط الجوي الطبيعي بعشرين ألف مرة.
وهذا الاكتشاف يفتح باباً واسعاً لفهم سلوك الماء تحت ظروف الضغط الفائق، وهي بيئة تشبه إلى حد بعيد تلك السائدة في أعماق الكواكب والأقمار الجليدية مثل "غانيميد" و"تيتان".
من الماء السائل إلى الجليد الفائق: رحلة فيزيائية مذهلة
لفهم ما حدث، استخدم العلماء ما يُعرف بخلايا السندان الماسي، وهي أدوات تضغط عينة الماء بين رأسين من الألماس لتوليد ضغط يصل إلى ملياري باسكال. عند هذه النقطة، يصبح الماء في حالة تُسمى **“الماء فائق الضغط”**، قابل للتحول إلى بنية صلبة جديدة قبل أن يتبلور إلى الجليد المعروف لدينا.
وخلال التجربة، ضغط الباحثون الماء خلال أجزاء من الألف من الثانية ثم أطلقوا الضغط تدريجياً مراراً وتكراراً، ليتمكنوا من توثيق مراحل التحوّل باستخدام ومضات الأشعة السينية فائق السرعة من **XFEL**. النتيجة كانت صوراً تُظهر تكوّن الجليد الحادي والعشرين بخلايا بلورية رباعية الشكل — تختلف كلياً عن الأنماط المعروفة للجليد مثل الجليد السادس أو السابع.
وهذا الربط بين الضغط الفائق وسلوك جزيئات الماء يقدم أدلة جديدة على أن للماء أكثر من عشرين "وجهاً بلورياً" تختلف في ترتيب ذرات الهيدروجين والأوكسجين داخل البنية، ما يجعل هذه المادة البسيطة ظاهرياً من أكثر المواد تعقيداً في الكون.
أسرار جديدة في أعماق الأقمار الجليدية
تكشف الدراسة أن الجليد الجديد **مستقر مؤقتاً**، أي أنه يظل قائماً لفترة قصيرة قبل أن يتحول إلى شكل آخر أكثر استقراراً. ويُعتقد أن هذا النوع من التحولات يحدث طبيعياً في أماكن مثل نواة أقمار المشتري أو زحل، حيث الضغط والحرارة يشكلان مسرحاً مثالياً لمثل هذه الظواهر الغريبة.
ويشير القائمون على البحث إلى أن فهم هذه الانتقالات يساعد العلماء على **رسم خريطة داخلية للأجرام الجليدية** في النظام الشمسي، وربما معرفة كيفية توزيع الماء في أعماقها، ما قد يرتبط مباشرة بفرص وجود حياة مجهرية فيها.
وهذا يربط بين الجهود الحالية في مختبرات أوروبا وآسيا لفهم "فيزياء الماء" وبين طموحات استكشاف الفضاء التي تسعى لكشف أسرار الكواكب المتجمدة.
الماء... مادة بسيطة وسلوك معقد
يقول الدكتور غيون وو لي من المعهد الكوري: *"عندما نضغط الماء بسرعة، فإنه يظل سائلاً عند ضغوط مرتفعة جداً، في حين يجب أن يكون قد تجمد إلى الجليد السادس العادي. لكن ما يحدث هنا أن ترتيب الجزيئات يتغير فجأة، مولداً هذا الشكل الجديد غير المستقر."*
هذه النتائج، التي نُشرت في مجلة **Nature Materials**، تمثل خطوة كبيرة في فهم التحولات الطورية للماء، أي كيفية انتقاله من الحالة السائلة إلى الصلبة في ظروف مختلفة من الحرارة والضغط. كما توضح أن منظومة الماء والجليد ليست بسيطة كما تبدو في كأسك كل صباح، بل عالم فيزيائي معقد مليء بالتحولات المدهشة.
خلاصة المشهد
يُعد اكتشاف **الجليد XXI** مثالاً رائعاً على كيف يمكن لتجربة مخبرية مضبوطة أن تعيد تعريف فهمنا لمادة يعرفها الجميع. هذا **الجليد غير المتوقع** يبرهن أن الماء لا يزال يحتفظ بأسرار فيزيائية يمكنها تغيير نظرتنا إلى الحياة والكواكب وحتى طبيعة المادة نفسها.
ومع استمرار التجارب في مختبرات **XFEL** و**DESY**، يبدو أن السنوات المقبلة ستشهد فصولاً جديدة في "حكاية الجليد"، حيث يلتقي العلم بالخيال على حافة الضغط والحرارة.









