عُثر عليها في كهف، لكنها تنتمي إلى البحر… سمكة قرش منسية تُعيد رسم ماضي المحيطات

3 د
تم اكتشاف أحفورة قرش صغيرة في كهف ماموث تُدعى Macadens olsoni.
تعود الحفرية إلى ما بين 340 و335 مليون سنة ضمن تكوين "سان جنيفيف".
العمل الجماعي بين الهيئات البحثية أدى إلى تسجيل الأنواع الجديدة من القروش.
التنوع في أشكال القروش القديمة يظهر أن التاريخ البحري كان أكثر تعقيداً.
الاكتشاف يفتح فصلاً جديداً لفهم الحياة البحرية القديمة وثرائها.
في أعماق كهف ماموث الشهير في ولاية كنتاكي الأميركية، أكبر نظام كهوف مكتشف على وجه الأرض، خرجت مفاجأة علمية مدهشة من بين طبقات الصخور القديمة: أحفورة سمكة قرش صغيرة وفريدة من نوعها، تعود إلى مئات ملايين السنين، وتكشف عن فصل جديد في تاريخ الحياة البحرية.
العلماء أعلنوا عن تحديد نوع جديد من أسماك القرش المنقرضة أطلق عليه اسم **Macadens olsoni**. ورغم أن طوله لم يتجاوز 30 سنتيمتراً تقريباً، فإن أهميته العلمية هائلة. فشكله السني الغريب – المعروف باسم “اللولب السني” – يميّزه عن معظم أقاربه من القروش، حيث امتلك صفاً وحيداً من الأسنان على كل جانب من الفك وثلاثة أنياب أمامية ضخمة تحتاج إلى إعادة التفكير في أشكال التكيّف القديمة.
وهذا يربط بين الاكتشاف الجديد وفهمنا لكيفية تنوع القروش القديمة وتكيّفها مع بيئات بحرية مختلفة.
كائن صغير يروي تاريخ محيط ضائع
المكان الذي وُجدت فيه الأحفورة يعرف بتكوين “سان جنيفيف”، وهو طبقة صخرية تعود إلى حقبة تمتد بين 340 و335 مليون سنة. حينها، كانت المنطقة التي تغطيها كهوف كنتاكي الحالية غارقة تحت مياه دافئة وضحلة مليئة بالشعاب المرجانية والكائنات البحرية المتنوعة. وجود هذا القرش الصغير وسط بقايا الكائنات القديمة مثل الزنبقيات والمرجانيات يؤكد أن الحياة البحرية في ذلك الزمن كانت أكثر تنوعاً وتعقيداً مما نتخيل.
وهكذا يتضح أن كهف ماموث ليس مجرد أعجوبة جيولوجية، بل أيضاً سجل تاريخي محفوظ لبحر قديم.
تعاون علمي لتوثيق الماضي
الإنجاز لم يكن حصيلة باحث فردي، بل هو ثمرة شراكة بين برنامج علم الأحافير في الهيئة الوطنية الأميركية للمتنزهات، وإدارة كهف ماموث، وخبراء من معهد سميثسونيان. عبر التدقيق في العينات وإعادة فحصها، أدرك الفريق أن ما بين أيديهم ليس مجرد بقايا متكررة، بل نوع جديد يستحق أن يُسجَّل باسمه الخاص.
هذا الربط بين الجهود الجماعية والنتائج الميدانية يبيّن كيف أن العمل الدؤوب خلف الكواليس قد يغيّر استنتاجاتنا التاريخية الكبرى.
إعادة تصنيف وفهم أوسع للقروش القديمة
إلى جانب هذا الاكتشاف، قام الباحثون بإعادة تحليل نوع آخر معروف سابقاً باسم *Helodus coxanus* ليُسمى الآن **Rotuladens**، أي “سن العجلة” بسبب شكله الدائري. كلا النوعين الصغيرين يوحيان بأن القروش في العصور القديمة لم تكن دائماً مفترسات ضخمة، بل طيف واسع من الكائنات التي طورت أسناناً وأشكالاً مختلفة للتعامل مع فرائس متنوعة مثل الرخويات والديدان.
وهذا يقود إلى استنتاج أوسع: تنوع أسماك القرش القديمة كان أعقد بكثير من الصورة التقليدية التي ترسمها لنا كتب الأحياء.
أكثر من مجرد أحفورة
المشرف على متنزه كهف ماموث، باركلاي تريمبل، وصف الاكتشاف بأنه “إضافة رائعة لفهمنا للحياة البحرية القديمة”، مؤكداً أن هذه العينات لا توسع فقط قاعدة معرفتنا، بل ترسّخ قيمة الحفاظ على التراث الطبيعي داخل المتنزهات الوطنية. فكل أحفورة جديدة لا تلقي الضوء على الماضي فحسب، بل تبني جسراً مع حاضرنا وتغذّي فضول الأجيال المقبلة.
وهكذا تتكامل القصة: كهفٌ هو الأطول في العالم، وبداخله سجل جيولوجي لبحر مفقود، ومن قلب صخوره الصغيرة خرجت سمكة قرش متحجرة لتعلّمنا أن أسرار الحياة على الأرض لا تزال طي الكتمان، في انتظار من يكتشفها.









