ذكاء اصطناعي

فكّ سمكة عمره 380 مليون سنة يكشف أسرار خروج أولى كائنات الأرض من الماء

محمد كمال
محمد كمال

3 د

كشف فك سمكة رئوية عمرها 380 مليون سنة عن أسرار خروج الكائنات من الماء.

تم الاكتشاف في منطقة جوغو الأسترالية، المعروفة بكنوزها الحفرية الفريدة.

الدراسة استخدمت تقنية "النمذجة ثلاثية الأبعاد للعناصر المحدودة" لتحليل تحمُّل الفكوك.

الأسماك القديمة أظهرت تنوعًا في استراتيجيات التغذية والتكيف مع بيئات مختلفة.

نتائج الدراسة تقدم فهمًا أفضل للتحول من حياة الماء إلى اليابسة.

في اكتشاف مذهل يقدم نافذة فريدة نحو فجر الحياة على الأرض، عثر فريق علمي على بقايا عظام فك لأسماك رئوية تعود لأكثر من 380 مليون عام، مخبأة في منطقة جوغو بأستراليا، لتُعطينا أدلة جديدة حول كيفية خروج أول الحيوانات الفقارية من البحار واستكشاف اليابسة.

هذه الدراسة الجديدة التي نُشرت في مجلة "آي ساينس" قام بها باحثون من جامعة فليندرز بالتعاون مع عدة خبراء عالميين، اعتمدوا فيها على تقنية عالية الدقة تسمى "النمذجة ثلاثية الأبعاد للعناصر المحدودة" (3D FEM)، وهي طريقة محوسبة تسمح بمحاكاة وتحليل تحمل الفكوك للضغط والإجهاد أثناء الافتراس.


موقع استثنائي يكشف التاريخ المُدهش

ولكن ما الذي يجعل منطقة جوغو الأسترالية مقصداً للعلماء؟ ببساطة لأن هذه المنطقة تُعتبر كنزاً عالمياً حفرياً. الظروف النادرة التي تميزت بها هذه البقعة من الأرض أدت إلى بقاء الحفريات سليمة بشكل مثير للدهشة، مما أتاح دراسة تفاصيل دقيقة عن طريقة حياة تلك الأسماك القديمة وتكيفها الفريد مع النظام البيئي الذي عاشت فيه خلال العصر الديفوني.

وهذا التميز في الاكتشافات يربط بشكل مباشر بين ماضي الأرض البعيد وأسلاف الفقاريات الحديثة، ويوضح لنا خطوات التطور التدريجي التي أخرجت الحياة من البحر لتنمو على اليابسة.

لطالما اعتُبرت هذه الأسماك الرئوية أسلافاً قديمين قريبة جداً من رباعيات الأرجل التي تشملنا نحن البشر أيضاً، وتأتي أهميتها الكبيرة من طول السجل الأحفوري الذي تمتلكه، ويعود تاريخه إلى نحو 400 مليون سنة. وتتيح دراسة هذه الكائنات تعرُّف العلماء عن قرب على التغيّرات التشريحية والسلوكية التي قادت أولى الفقاريات إلى مغادرة الحياة المائية وبدء حياة جديدة على اليابسة.


كيف كانت تتغذى هذه الأسماك العملاقة؟

الأسماك الرئوية التي تمت دراستها هي أسماك مفترسة عتيقة، قام الباحثون بنمذجة ومحاكاة ضغط وشدة عضّات هذه الأسماك لمعرفة قدراتها في الصيد والتغذية. ومن خلال مقارنة الفروق بين سبعة أنواع من هذه الأسماك، اكتشف الفريق اختلافات كبيرة في بنية الفك، وهي اختلافات تُظهر بشكل واضح كيف تمكنت هذه الكائنات من التكيف مع مصادر غذائية مختلفة واستغلال بيئات متنوّعة.

تقول الدكتورة أولغا بانايوتوبولو، الخبيرة في الهندسة البيولوجية وأحد المشاركين في الدراسة: "ما قمنا به في هذه الدراسة يمثل أكثر البيانات شمولاً وتفصيلاً عن الأداء الميكانيكي للفك في أي سمكة متحجرة حتى اليوم، وهذا يعطينا صورة واضحة عن تنوع استراتيجيات التغذية واتساع الفروق بين الأنواع في بيئة جوغو القديمة".

وهذا ما يجعل هذه الدراسة بالغة التميز والأهمية؛ فهي لا تكتفي بتقديم معلومات عن التغذية فقط، بل ترسم صورة واضحة حول التغير في أساليب الحياة والأنماط السلوكية التي سلكتها كائنات حية سبقتنا منذ مئات ملايين السنين.

وما يُثير الإهتمام حقاً أن استراتيجيات التغذية المتنوعة والمختلفة لهذه الأسماك القديمة قد تكون هي ذاتها التي مهّدت لها الطريق كي تعيش في بيئات مختلفة، مما ساهم لاحقاً في خروج كائنات أخرى من الماء واستيطان اليابسة.

ذو صلة

وتوضح الدكتورة أليس كليمنت، الباحثة الأساسية في هذه الدراسة قائلة: "بفضل هذه النتائج أصبح ممكناً أن نفهم بصورة أدق كيف حدث هذا التحول الهائل من حياة المياه إلى اليابسة؛ نعلم اليوم الكثير عن الخطوات التي مكنت أسلافنا الأوائل من التحرك خارج الماء واستكشاف العالم البري".

وبفضل الدراسات العلمية المتتالية، تبدأ صورة الحياة القديمة على الأرض بالوضوح، ويظهر أمام أعيننا مشهد رائع لطفرة تطورية غيّرت تاريخ كوكبنا؛ من أعماق المحيطات نحو حياة البرية التي نعرفها اليوم. وربما ستكون الخطوة التالية للباحثين هي ربط النتائج ببقية المجموعة الحيوانية التي عايشت تلك الفترة، لتعزيز فهمنا الشامل لظروف الحياة على كوكبنا في تلك المرحلة التاريخية المهمة.

ذو صلة