ذكاء اصطناعي

في أعماق كهف مظلم… اكتشاف مخلوق بلا عيون ولا لون يربك العلماء!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشف علماء صينيون نوعًا جديدًا من الأسماك الكهفية بلا عيون وجسم شفاف.

السمكة المكتشفة مسمية *Triplophysa baishuijiangensis* وتعيش في كهوف حوض نهر جينشا.

السمكة تمتلك خصائص فريدة للتكيف مع الحياة في الظلام الدامس.

هذا الاكتشاف يبرز أهمية حماية البيئات المعزولة والمهددة بالتلوث والتوسع العمراني.

في واحد من أكثر الاكتشافات غرابة في علم الأحياء الحديثة، أعلن فريق من الباحثين الصينيين عن اكتشاف نوع جديد من الأسماك يعيش في أعماق الكهوف المائية جنوب غرب الصين. المفاجأة الكبرى أنّ هذا الكائن الشبح لا يمتلك عيوناً ولا لوناً، وجسده نصف شفاف يكشف أعضاءه الداخلية بوضوح مدهش.

في عمق نظام كهوف يقع أسفل قرية شياوقانشي في حوض نهر جينشا، رصد العلماء أحد عشر نموذجاً من السمكة الجديدة التي حملت الاسم العلمي *Triplophysa baishuijiangensis*. ويُعدّ هذا أول نوع موصوف رسمياً من الأسماك الكهفية ضمن هذا الجزء من منظومة نهر اليانغتسي، كما جاء في دراسة نُشرت بمجلة ZooKeys العلمية.

وهذا يربط بين الاكتشاف الحالي وجهود العلماء السابقة في دراسة التنوع البيولوجي الخفي داخل الأنظمة الكارستية في مقاطعة يونان الصينية.


كائن شفاف يتحدى الضوء

السمكة المكتشفة تتمتع بخصائص غريبة تدل على تكيفها الطويل مع العيش في غياب تام للضوء. فهي بلا حراشف، تمتلك زوائد استشعارية طويلة حول الفم تُعرف بـ«الباربلز»، وخطاً جانبياً حساساً يرصد أدق الاهتزازات في الماء. كما أن زعانفها الحوضية تمتد حتى فتحة الشرج، وزعنفتها الظهرية تستند إلى ترتيب فريد من الأشعة الداعمة، بينما تساعدها مثانة سباحة متخصصة على الحفاظ على توازنها في المياه الساكنة تحت الأرض.

ويشير الدكتور مين شي ورفاقه من معهد كونمينغ لعلم الحيوان إلى أن الفحص الجيني أثبت اختلاف هذا النوع الجديد بوضوح عن بقية أفراد جنس *Triplophysa*. فالسمكة تنتمي إلى المجموعة «الهيبوغية» المتكيفة مع الحياة تحت الأرض، ما يجعلها نموذجاً حياً لما يُعرف بالتطور الكهفي.


نافذة على تطور الحياة في الظلام

يمثل هذا الاكتشاف نافذة نادرة على آلية تطور الحياة في البيئات المعزولة والمظلمة. فكما يوضح الباحث يون تشاو تشن، فإن خصائص السمكة تمثل مثالاً كلاسيكياً على ما يسمى بالتطور «التروجلو مورفي»؛ أي فقدان اللون والبصر نتيجة الأجيال المتعاقبة في الظلام الدامس. ويؤكد تشن أن وجود مثل هذه الأنواع حتى عام 2025 دليل على أن النظم البيئية الجوفية لا تزال تحمل الكثير من الأسرار غير المكتشفة.

ومن الناحية الإيكولوجية، يشكّل حوض نهر جينشا واحداً من أغنى المواطن المائية بالتنوّع في الصين، ومعظم تنوعه الحيوي لا يزال مطموراً في أعماق الكهوف الكلسية والشقوق الصخرية. ومع إدراج هذا النوع الجديد، يرتفع عدد أسماك *Triplophysa* الكهفية الموثّقة إلى 43 نوعاً.

وهذا بدوره يثير تساؤلات أوسع حول أهمية حماية هذه المواطن الحساسة وتأثير النشاط البشري على الكائنات الخفية فيها.


التهديدات الخفية وحاجة الحماية

تحذّر الدراسة من أن هذه البيئات تبدو هشة للغاية أمام التلوث والاستخراج المائي والتوسع العمراني. ويشير الدكتور وين مينغ ليو، أحد المشاركين في البحث، إلى أننا "ما زلنا في بداية الطريق، فالكثير من الأنواع قد تنقرض قبل أن تُكتشف". والشاهد أن موقع اكتشاف السمكة يقع ضمن «محميّة بايشويجيانغ الوطنية لموارد الأحياء المائية»، وهي معنية بحماية الأنواع المتوطنة في الأنهار الصينية. ومع ذلك، فإن مرور هذا النوع لعقود من دون أن يُلاحظ يكشف مدى قصور الأبحاث الميدانية السابقة في هذه المناطق.

خلال الأعوام الأخيرة، أكدت مراجعات علمية أن أنظمة الكهوف في جنوب غرب الصين لا تزال غير مستكشفة بالكامل، رغم ما تحويه من كنوز تطورية ولغز بيئي طال انتظاره.

ذو صلة

خاتمة

يعيد هذا الاكتشاف إلى الواجهة سؤالاً قديماً عن حدود تطور الحياة وكيف تتكيف الكائنات مع أكثر الظروف قسوة. فالسمكة الشبحية *Triplophysa baishuijiangensis* ليست مجرد كائن غريب من أعماق الأرض، بل شهادة على قدرة الطبيعة على إعادة ابتكار نفسها في أحلك العوالم ظلمة، وعلى ضرورة أن نحمي تلك النظم البيئية قبل أن تبتلعها العتمة إلى الأبد.

ذو صلة