ذكاء اصطناعي

قارة أفريقيا تستعد لولادة محيط جديد: استمع لنبض الأرض!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

يرصد العلماء نبضات الأرض بباطن كوكبنا في منطقة عفار بإثيوبيا.

تشير الدراسات إلى تكون محيط جديد ببطء كبير يفصل قارة أفريقيا.

الصهارة البركانية تتحرك في نبضات متتابعة، مما يشير إلى وجود مقاومة جيولوجية.

يساعد فهم هذه الظواهر في التنبؤ الدقيق بالانفجارات البركانية المستقبلية.

تعاون علمي دولي أساسي لدراسة هذه الظواهر الجيولوجية المتغيرة.

 تخيل أنك تضع سماعة طبيب ضخمة على وسط قارة أفريقيا، تستمع بإمعان فتسمع دقات منتظمة.. "بوم، بوم، بوم". هذه الأصوات ليست مجرد تشبيه أدبي، بل هي صوت حقيقي لنبض الأرض من أعماق باطن كوكبنا، يحدث حالياً تحت منطقة عفار في إثيوبيا، وفق أحدث الدراسات التي أجراها خبراء بريطانيون من جامعة ساوثهامبتون.

في رحلة استكشاف جيولوجية، قام العلماء بفحص المنطقة البركانية بوادي الصدع الكبير في شرق أفريقيا، وهي منطقة تلتقي فيها ثلاث صفائح تكتونية ضخمة - الصفائح القارية التي تشكل سطح الأرض وتتلاقى أو تتباعد عنها لتشكل الجبال والبحار والوديان. وتخيل معي أن هذه الصفائح الضخمة كقطعة ملابس مشدودة من ثلاثة جهات يتوسطها ضعف، ومن تحت هذه التشققات، ترتفع الصهارة (الماجما) من أعماق الأرض إلى السطح.


# نبض الأرض يتجلّى في "ترميز الصخور"

لكن الغريب والمثير في الأمر أن هذه الصهارة لا تتحرك بشكل مستمر ومنتظم، بل تخرج في موجات تقودها نبضات مستمرة وإيقاع دقيق مثل ضربات القلب. فكيف عرف العلماء ذلك؟ الإجابة ببساطة تكمن في الصخور. جمع الباحثون حوالي 130 عينة من الصخور البركانية من المنطقة، وعندما قاموا بتحليلها عثروا على ما يشبه "باركود كيميائي" مخفي داخلها. هذه الخطوط الكيميائية الفريدة تدل على نبضات متتالية ومتكررة للصهارة القادمة من باطن الأرض.

وتُعرف هذه الظاهرة علمياً باسم "الريشة الوشاحية" (Mantle plume)، أو التيار المتهيج من المواد المنصهرة الحارة التي ترتفع بهدوء وانتظام، مثل نافورة ساخنة في باطن الكوكب. عندما تمر الصهارة خلال مناطق تكون فيها القشرة الأرضية رقيقة، تتمكن من اختراقها بسرعة وتحدث انفجارات بركانية بسهولة، أما في المناطق ذات القشرة السميكة، فيتباطأ تدفقها بشكل ملحوظ—كأن الأرض تتفاعل مع الصعوبات وتعرف جيداً متى وأين تطلق طاقتها وتخفف من الضغط الداخلي.

وبالمقارنة مع منطقة البحر الأحمر، حيث تتحرك الصفائح فيه بشكل أسرع، تتخذ الموجات النارية شكل نبضات قلب منتظمة طبيعية، لكن إذا تباطأت النبضات أو أصبحت غير منتظمة، فهذا يعني وجود مقاومة جيولوجية تحت الأرض، تماماً مثل الشرايين المسدودة في الجهاز القلبي للإنسان.


ولكن لماذا هذا الأمر مهم لدرجة كبيرة؟

هذا الاكتشاف الجيولوجي الرائع يحدث بهدوء شديد وتدريجياً، لكنه سوف يقسم قارة أفريقيا إلى نصفين. هذه التغيرات الجذرية التي يشهدها شرق أفريقيا، حيث يتحرك الوادي المتصدع ببطء ليمهد الطريق أمام مياه البحر لتشكل محيطاً جديداً، لا تحدث بين ليلة وضحاها، إنما هي عملية تمتد على ملايين السنين.

وفي ذات السياق، فإن فهم هذه النبضات الأرضية سيفتح الباب أمام توقعات أدق للانفجارات البركانية مستقبلاً، مما يمكن أن يوفر حماية فعالة وآمنة للمجتمعات التي تعيش على مقربة من المناطق البركانية.

ما لا نراه بالعين المجردة يتكشف بفضل تقنيات مبهرة تتنوع بين جيولوجيا الصخور وتحليلها الكيميائي، مروراً باستخدام النماذج الحسابية ثلاثية الأبعاد وتكنولوجيا رصد الزلازل وصولاً لفك ألغاز نبض كوكبنا.

إن إدراكنا لهذه الحركة الأرضية يذكرنا أن خريطة العالم التي نعتقد أنها ثابتة وراسخة، هي في الحقيقة متغيرة وديناميكية، تعيش تحت أقدامنا حياةً حية مليئة بالحركة، وترسم بصمت أشكالاً جديدة لمحيطات وجبال وقارات.

ذو صلة

إذا كنت قد عشت تجربة زلزال أو رأيت انفجار بركان، فربما لاحظت كيف تتغير مفاهيمنا حول استقرار الكوكب. أخبرنا عن هذه التجارب ورأيك فيما قرأت. وإذا أعجبك هذا المقال، لا تتردد في مشاركته مع الأصدقاء ليتعرفوا على التفاصيل المدهشة لنبض هذا الكوكب الذي نعيش على سطحه الجميل.

تم هذا الاكتشاف المهم بفضل تعاون علمي بين عشر مؤسسات كبرى في مجالات الجيولوجيا وعلم الكيمياء الجيولوجية والرياضيات والنمذجة ثلاثية الأبعاد وعلم الزلازل، ولمزيد من التفاصيل يمكن الاطلاع على البحث الأصلي في مجلة "نيتشر جيوساينس".

ذو صلة