قطعة علكة عمرها 10,000 عام تفكك أسرار الهجرة والحياة في أوروبا القديمة!

3 د
عثر العلماء في السويد على علكة قديمة من قطران البتولا.
تحتوي العلكة على حمض نووي بشري محفوظ منذ 10,000 عام.
أظهرت التحاليل علاقات جينية بسكان أوروبا القدماء من العصر الجليدي.
تساهم الاكتشافات في فهم مسارات الهجرة والعادات القديمة لشعوب الماضي.
تسهم التكنولوجيا الحديثة في كشف أسرار تاريخ البشر عبر الحمض النووي.
هل تخيلت يوماً أن قطعة علكة بسيطة يمكن أن تُخبئ في داخلها معلومات مدهشة عن حياة الإنسان قبل آلاف السنين؟ هذا بالضبط ما حدث عندما اكتشف علماء الآثار في السويد "علكة" من نوع خاص يعود تاريخها إلى ما قبل 10,000 عام!
تعود القصة إلى أوائل التسعينات حين عثر الباحثون في موقع "هوسبي كليف" في غرب السويد على مادة صمغية من قطران لحاء شجر البتولا. في ذلك الوقت، اعتبر العلماء هذه القطعة الصمغية مجرد بقايا لأدوات كان البشر في العصر الحجري يستخدمونها للصق أسلحتهم وأدواتهم. إلا أن التطورات الحديثة في علوم الوراثة والحمض النووي قلبت الأمور رأساً على عقب مؤخراً.
ثورة علمية غير مسبوقة بفضل علكة البتولا
بفضل تقنيات تسلسل الحمض النووي الحديثة، تمكّن العلماء من استخراج عينات حمض نووي بشري محفوظة بشكلٍ رائع داخل تلك المادة الصمغية. المفاجأة الكبرى كانت عندما اكتشف الباحثون أن هذه المادة تم مضغها من قِبل ثلاثة أشخاص مختلفين على الأقل، وهم امرأتان ورجل. وهذه المعلومة لم يكن بالإمكان معرفتها من قبل.
قطران البتولا، الذي كان واسع الانتشار لدى المجتمعات البدائية في أوائل العصر الحجري الوسيط، استُخدم هو الآخر كنوع من أنواع العلكة. فربما كان السكان القدماء يمضغونه أثناء عملهم أو خلال أوقات استراحتهم، الأمر الذي ساعد على احتباس حمضهم النووي في هذا العلك الصغير، ليكشف لنا الآن الكثير عن تاريخهم.
وهذا ما جعل الباحثين يشعرون بالحماس الشديد، فالعثور على بقايا بشرية قديمة ذات جودة جيدة صعب للغاية في المناطق الاسكندنافية؛ لأن أغلب ما تم العثور عليه يتسم بحالة حفظ رديئة يصعب من خلالها استخلاص حمض نووي واضح.
وهنا يبرز الدور الهام لتقنيات التحليل الوراثي الحديثة التي أوضحت للعالم مدى أهمية هذه الاكتشافات، كما أوضح الباحث السويدي "أندرس جوثيرستروم": "جزء كبير من تاريخنا مدون في الحمض النووي الذي نحمله، ولذلك نحن نبحث باستمرار عن الحمض النووي أينما وجدناه".
اكتشافات جينية تؤكد مسارات الهجرة القديمة
ومن خلال تحليل النتائج، اكتشف خبراء الوراثة أن الأفراد الثلاثة لهم علاقة جينية واضحة بالسكان القدماء الذين عاشوا في أوروبا في العصر الجليدي. كما وجد العلماء أن الأدوات المكتشفة في "هوسبي كليف" تشترك مع تلك القادمة من مناطق روسيا الحالية، الأمر الذي يقدم دليلاً إضافياً على النظرية القائلة بوجود مسارين رئيسيين لهجرة السكان القدماء إلى اسكندنافيا: مسار قادم من السهول الأوروبية الشرقية وآخر من جنوب أوروبا.
وفي هذا الصدد، أكدت الباحثة "ناتاليا كاشوبا" من متحف التاريخ الثقافي في أوسلو أن العلماء أعجبوا باهتمام وحذر علماء الآثار أثناء التنقيب، وحفاظهم على هذه المواد الحساسة التي مكنت الباحثين لاحقاً من الوصول لهذه النتائج التاريخية الرائعة.
أهمية هذه القطع الصمغية لا تقتصر فقط على تتبع طرق الهجرة القديمة، بل ستساعد الباحثين أيضاً على الكشف عن تفاصيل تتعلق بحياة تلك الشعوب القديمة، مثل طريقة حياتهم، عاداتهم الغذائية، وأوضاعهم الصحية، وربما علاقاتهم الاجتماعية كذلك.
وبحسب "بير بيرسون" من متحف التاريخ الثقافي في أوسلو، فإن "الحمض النووي المستخلص من هذه العينات الصمغية القديمة له إمكانيات ضخمة لمعرفة أصول وتحرّكات البشر القدماء بدقة أكبر". وهو يُشير إلى أن هذه المواد تحفظ لنا تفاصيل دقيقة تمتد من نظم الغذاء وحتى الأمراض والعلاقات الاجتماعية القديمة التي لا يمكن استخراجها بسهولة من المصادر التاريخية الأخرى.
في النهاية، قد تبدو قطعة من قطران البتولا تم مضغها قبل آلاف السنين أمراً بسيطاً وغير هام. لكن بالنسبة لعلماء الآثار والمؤرخين والأساتذة المتخصصين، هذه القطعة البسيطة هي كنز علمي مذهل قادر على فتح أبواب واسعة لمعرفة أدق تفاصيل حياة أسلافنا القدماء.
مثل هذه الاكتشافات الفريدة تدفعنا دائماً لطرح التساؤلات والاستمرار في البحث، وربما مستقبلاً ستمكننا تقنيات أخرى من الوصول إلى معلومات أعمق وأكثر تفصيلاً عن التاريخ البعيد. ويمكن القول إن القدرة التعبيرية للمقال تصبح أكثر دقة وجاذبية إذا استبدلنا كلمة "رائعة" بعبارة أقوى مثل "مدهشة" أو "مذهلة"، واستخدام جمل قصيرة للربط بين محاور إضافية مستقبلاً سيجعل الموضوع أكثر سلاسة وتشويقاً وجذباً للقارئ.