ذكاء اصطناعي

كيف أخفت الأمواج مدينة كاملة لـ1200 عام؟ هراكليون تعود لتفضح أسرار الماضي!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشاف مدينة هرقليون الغارقة يعيد كتابة فصل من تاريخ مصر القديم.

كانت هرقليون ميناءً حيويًا ومركزًا دينيًا وثقافيًا يربط حضارتين عظيمتين.

الزلازل والفيضانات ساهمت في غرق هرقليون، لتختفي تحت الأمواج والطمي.

الاكتشافات تحت مياه خليج أبي قير كشفت معابد وشوارع وأثارًا محفوظة بشكل مثالي.

قصة هرقليون تذكر بقدرة الحضارة المصرية على الإبهار حتى من أعماق البحر.

تخيل أن أسطورة ظلت طيّ النسيان لأكثر من ألف عام تظهر من أعماق البحر لتعيد كتابة فصل من تاريخ مصر القديم. هذا ما حدث حين أعيد اكتشاف المدينة الغارقة «هرقليون»، أو كما سماها المصريون القدماء «تونيس»، التي كانت ذات يوم بوابة مصر البحرية على البحر المتوسط.

كانت هرقليون موضوعًا للأساطير والروايات منذ قرون، وذكرها المؤرخ الإغريقي هيرودوت ضمن رحلاته في القرن الخامس قبل الميلاد. لكن سحر المدينة لم يتحول إلى واقع ملموس إلا مع مطلع الألفية الجديدة، حين أعلن عالم الآثار الفرنسي فرانك غوديو وفريقه من المعهد الأوروبي للآثار تحت المائية العثور عليها عام 2000 في خليج أبي قير قرب الإسكندرية. وهكذا خرجت المدينة من ضباب الأسطورة إلى ضوء الحقيقة.

وهذا يربط بين اكتشاف هرقليون وجاذبية المواقع الأثرية الغارقة التي تجعل من البحر كتابًا مفتوحًا لأسرار حضارات غابرة.


ميناء الأساطير ومركز التجارة القديمة

كانت هرقليون في العصور الأخيرة من الدولة المصرية القديمة مركزًا حيويًا على مصب نهر النيل، تتحكم في حركة السفن والبضائع القادمة من البحر المتوسط. هناك كانت تتقاطع حضارتان عظيمتان: المصرية والإغريقية، فتنعكس ملامحهما في العمارة والطقوس الدينية على حد سواء.
تحمل المدينة اسم البطل الإغريقي «هرقل»، فيما استُخدم الاسم المصري «تونيس» إشارة إلى الإله أوزوريس، سيد العالم الآخر في الميثولوجيا المصرية. هذا التداخل الحضاري بين آلهة السماء وآلهة النيل جعل من هرقليون ملتقى للثقافات والمعابد، وأبرزها معبد الإله آمون الذي كان مقصدًا للحجاج من كل الأصقاع.

ومن هنا يتضح أن هرقليون لم تكن مجرد ميناء تجاري، بل مركزًا دينيًا وثقافيًا نابضًا بقدسيته ورونقه.


المدينة التي ابتلعها البحر

لكن وراء هذا المجد قصة اندثار غامضة حيّرت العلماء. تشير الدراسات إلى أن سلسلة من الزلازل والفيضانات وتغير مستوى البحر أدت إلى انهيار أرض المدينة وغرقها تدريجيًا في نهاية الألف الأول قبل الميلاد. كما يعتقد الباحثون أن تراكم رواسب النيل أضعف التربة، لتتحول المدينة شيئًا فشيئًا إلى أطلال مستترة تحت الطمي والمياه.
وبين أروقة الأطلال المكتشفة، عُثر على تماثيل ضخمة لحابي إله النيل، وأخرى للإلهة إيزيس، إضافة إلى تمائم ذهبية وقطع نقدية وسفن غارقة حملت بضائع من العصور المتأخرة. كل قطعة من هذا التراث تحكي فصلاً من قصة مدينة كانت يوماً قلب البحر المتوسط المصري.

وربط هذا بين سرّ اختفائها ودراما الطبيعة التي تعيد تشكيل وجه الأرض كما تشاء.


كنوز ما زالت تروي الحكاية

إن تنقيب الباحثين تحت مياه خليج أبي قير كشف عالماً بحاله: معابد، شوارع، قنوات مائية، ومراسي للسفن. هناك وُجد ما يُعرف بـ«القنال العظيم» الذي كان يشق المدينة ويربط الميناء ببحيرة طبيعية داخلية، في تكوين هندسي مذهل سبق بعقود مفاهيم الموانئ الحديثة.
ويصف علماء الآثار المشهد بأنه «مدينة محفوظة في الزمن»، إذ إن قلة التيارات البحرية أبقت القطع الأثرية بحالة شبه مثالية. وبينها نقوش تحمل أسماء ملوك من عصور نكتانيبو وكليوباترا، ما يثبت أن هرقليون ظلت مركزاً فعّالاً حتى أواخر الحقبة البطلمية.

وهذا يعيدنا إلى الحاضر، حيث يجتمع العلم والسياحة لإحياء ذاكرة التاريخ تحت سطح البحر.

ذو صلة

خاتمة

قصة هرقليون ليست مجرد اكتشاف أثري، بل تذكير قوي بقدرة الحضارة المصرية على الإبهار حتى من أعماق المحيط. فمن بين الرمال والطمي والذكريات، عادت مدينة الأساطير لتروي حكاية ازدهارها وغرقها ومجدها الأبدي. واليوم، تواصل الاكتشافات الجارية في خليج أبي قير تغذية شغف الباحثين والسياح الباحثين عن أسرار «أتلانتس المصرية»، المدينة التي تعيد رسم حدود التاريخ بين الأرض والبحر.

ذو صلة