كيف يلهمنا دماغ النحل الصغير في تطوير ذكاء اصطناعي أكثر كفاءة؟

3 د
النحل يميّز الأشكال البصرية المعقدة بواسطة حركاته خلال الطيران.
أثبتت الدراسة أن الدماغ الصغير يحقق مهام معقدة بفاعلية كبيرة.
النماذج الحاسوبية أظهرت كفاءة النحل في معالجة المعلومات البصرية.
التفاعل النشط مع البيئة يلعب دورًا أساسيًا في تكوين الذكاء.
الأبحاث توضح أن الاعتماد على الأساليب البيولوجية يطور الذكاء الاصطناعي بكفاءة.
هل فكرت يوماً، كيف يستطيع النحل برغم صغر دماغه فهم وتمييز أشكال بصرية معقدة كزهور النباتات ووجوه البشر بدقة مذهلة؟ السرّ، بحسب دراسة حديثة من جامعة شيفيلد البريطانية، يمكن أن يغيّر بشكل جِذري من طريقة تطوير الذكاء الاصطناعي وتصاميم الروبوتات في المستقبل.
كشفت هذه الدراسة كيف يستخدم النحل حركة طيرانه من أجل جمع ومعالجة المعلومات البصرية، حيث بنى الباحثون نموذجاً حاسوبياً لدماغ النحلة - ما يُشبه نسخة إلكترونية من عقلها الصغير - ليكتشفوا من خلاله كيف تساعد الحركات الجسدية خلال الطيران على تحديد تلك الإشارات العصبية الخاصة التي تسمح للنحلة باكتشاف وتمييز الأنماط البصرية بدقة مذهلة وباستخدام أعداد قليلة جداً من الخلايا العصبية.
دماغ صغير بقدرات كبيرة
يقول الأستاذ جيمس مارشال، مدير مركز الذكاء الآلي في جامعة شيفيلد وكبير الباحثين في الدراسة: "نجحنا عبر هذه الدراسة في إثبات أن حتى الأدمغة الصغيرة، بفضل ملايين السنين من التطور، قادرة على أداء عمليات معقدة بشكل استثنائي". ويؤكد أن اعتماد النحل على الحركات الطبيعية لمعالجة المعلومات من حوله يُلهم الباحثين اليوم لتطوير تقنيات أذكى وأكثر كفاءة في عالم الذكاء الاصطناعي والروبوتات.
وهذا الربط المباشر بين حركة الجسم والرؤية الفعالة أثبت أن النحل لا يرى العالم حوله فقط بل يشارك في تشكيله بفعالية عالية. إذ تُمكّن الحركات الطائرة للنحل من إنشاء "شيفرة بصرية مضغوطة"، تجعل معالجة المشهد من حولها أسهل بكثير مما اعتقده العلماء سابقاً.
النماذج الحاسوبية تؤكد النتائج على أرض الواقع
ولتأكيد النتائج، أخضع الباحثون نموذج النحلة الرقمي لتحديات بصرية مشابهة لما تواجهه النحلة الحقيقية، مثل التفريق بين شكل علامة الزائد " + " وعلامة الضرب "×". فتبين أن النموذج كان أكثر كفاءة ودقة عندما استخدم الطريقة نفسها المسجّلة من النحل الحقيقي: فالنحلة تقرأ الجزء السفلي فقط من الشكل البصري.
يقول الدكتور هادي مابودي، الباحث الرئيسي بالدراسة: "لقد فهمنا أخيراً كيف يمكن للنحل بحجم دماغ لا يزيد عن بذرة السمسم أن يتعامل مع العالم بهذه الكفاءة. النتائج تشير إلى أن هذه المخلوقات الصغيرة تستخدم حركاتها لتيسير مهمة الذكاء البصري دون الحاجة إلى مكافآت فورية، مما يكشف عن أسلوب شديد الفعالية في توفير الطاقة والموارد".
وهذا الربط الممتاز بين حركة الجسم، الدماغ والبيئة يبين أن الذكاء بشكل عام لا يرتبط فقط بحجم الدماغ أو عدد الخلايا، بل قد يكون ذكيًا بفضل قدرته على التعلم عبر "التفاعل النشط مع البيئة". هذه الفكرة ستغيّر بشكل جوهري أساليب تطوير الروبوتات الذكية في المستقبل، مما يقلل الاعتماد على معالجة كميات ضخمة من البيانات أو القدرات الحاسوبية العالية.
إثبات أن حجم الدماغ ليس المؤشر الأهم للذكاء
يؤكد البروفيسور لارس شيتكا، عالم البيولوجيا والسلوك بجامعة كوين ماري بلندن، أن العلماء اعتقدوا طويلاً أن حجم الدماغ هو المفتاح لقياس الذكاء، لكن الواقع أكثر تعقيداً: "وفقًا لما توصلنا إليه، حتى في المهام المعقدة مثل التعرف على الوجوه البشرية، فإن الدماغ صغير الحجم يمكنه إتمام المهمة باستخدام عدد بسيط للغاية من الخلايا العصبية".
في حين يرى البروفيسور ميكو جوسولا، أستاذ علم الأعصاب من معهد العلوم العصبية في جامعة شيفيلد، أن هذه النتائج تشير بشكل واضح الى أن "الكائنات الحية لا تستلم المعلومات بشكل سلبي، وإنما تشارك بنشاط في تشكيل إدراكها".
وفي النهاية، هذه الدراسة التي جَمَعَت بين النماذج الإلكترونية والأبحاث البيولوجية والتجارب السلوكية، تفتح الباب لفهم أوضح للكيفية التي يتم بها بناء الذكاء والاستفادة منه في عالم التكنولوجيا والروبوتات المتقدمة.
هذا البحث يبين لنا بوضوح أن الطبيعة تزخر بدروس قيمة جداً يمكنها أن تُساعدنا في تطوير تقنيات متقدمة ليس فقط أكثر كفاءةً وذكاءً، بل وأكثر توفيراً للطاقة. وربما يجدر بمصممي الذكاء الاصطناعي والروبوتات في المستقبل، كما فعل الباحثون اليوم، الاقتراب من الأساليب البيولوجية بشكل أكبر لتعلم طرق ذكية تبني نجاحاً مستداماً دون استهلاك موارد هائلة، وهو ما سيساعد على توضيحه بمزيد من الدقة في دراسات أوْسَع لاحقاً لكشف نهج أوضح لتطبيق هذه الأفكار في مجالات محددة.