ذكاء اصطناعي

لإنقاذ المياه… الصين تضع حواسيبها العملاقة في المحيط

Abdelrahman Amr
Abdelrahman Amr

3 د

قررت الصين بناء مركز بيانات تحت البحر لتقليل استهلاك المياه والطاقة.

يستخدم المشروع طاقة الرياح البحرية لتشغيل الخوادم، مما يعزز الاستدامة البيئية.

توجد مخاوف من تأثير حرارة الخوادم على الحياة البحرية وتوازن الأنظمة البيئية.

حصل المشروع على تقييم رسمي في الصين، مما يعكس التزام بكين بالضوابط البيئية.

في السنوات الأخيرة تحولت مراكز البيانات – تلك التي تشغّل أنظمة الذكاء الاصطناعي العملاقة – إلى صداع بيئي؛ فهي تستهلك كميات هائلة من المياه لتبريد الخوادم، وتلتهم الطاقة كما لو كانت مدناً صغيرة. وبينما يبحث العالم عن حلول تراعي الاستدامة، قررت الصين أن تجرب حلاً يبدو مأخوذاً من الخيال العلمي: وضع مراكز البيانات في أعماق البحر.

هذا المشروع الطموح، الذي يُقام في منطقة لينغانغ بمدينة شنغهاي بتكلفة تقارب 226 مليون دولار، يُعدّ التجربة الأولى من نوعها على نطاق تجاري في البلاد. الفكرة بسيطة في ظاهرها: المياه المحيطة بالتجهيزات تعمل كمبدّد حراري طبيعي، بينما تأتي الكهرباء من توربينات الرياح البحرية. والنتيجة المتوقعة – على الورق على الأقل – تقليل انبعاثات الكربون وتوفير المياه والطاقة في آن واحد.

وهذا يربط بين تجربة الصين الجديدة والهوس العالمي بتقنيات التبريد الذكية التي تحاول حل معضلة الطاقة في عصر الذكاء الاصطناعي.


الطاقة المتجددة في خدمة الخوادم

بحسب ما أوردته مجلة *Wired*، تصل القدرة التشغيلية للمركز إلى نحو 24 ميغاواط، وهو رقم يعادل متوسط استهلاك مراكز البيانات التقليدية قبل طفرة الذكاء الاصطناعي. المثير للاهتمام أن أكثر من 95 في المئة من الطاقة التي يستخدمها المشروع تأتي من مزارع للرياح البحرية، ما يعني أن المركز يعتمد تقريباً كلياً على مصادر متجددة.

لكن هنا يبدأ الجدل: فبينما يشيد البعض بالفكرة كمثال على “الهندسة الخضراء”، يحذر آخرون من التبعات البيئية المحتملة. إذ إن حرارة الخوادم قد ترفع درجة حرارة المياه المحيطة بشكل طفيف، وهو أمر يُنظر إليه على أنه خطر على الحياة البحرية المتنوعة.

وهذا يبرز صعوبة التوازن بين حاجات التكنولوجيا ومتطلبات البيئة.


تحذيرات بيئية وتجارب سابقة

في الولايات المتحدة، حاولت شركة ناشئة تُدعى *NetworkOcean* تنفيذ تجربة مشابهة في خليج سان فرانسيسكو، حيث وضعت كبسولة مليئة بخوادم *GPU* داخل المياه دون تراخيص رسمية. علماء البيئة هناك حذروا من أن تغيّرات بسيطة في حرارة المياه قد تشجع على تكاثر الطحالب السامة وتهدد النظام البيئي المحلي. دراسات علمية حديثة، نُشرت في مجلات مثل *Nature*، نبّهت أيضاً إلى مخاطر نقص الأوكسجين في المياه المحيطة بمراكز البيانات البحرية خلال موجات الحر البحرية المتكررة.

ومن هنا يتضح أن التقنية المغمورة بالماء ليست خالية من العيوب، وأن الحماس لها لا يجب أن يتجاوز حدود الحذر العلمي والرقابي.

وهذا يقودنا إلى مقارنة التنظيم الحكومي في الصين بنظيره في الغرب.


بين التشريعات الصينية والطموحات البيئية

على عكس مشروع خليج سان فرانسيسكو، حصل المركز البحري في الصين على تقييم رسمي من الأكاديمية الصينية لتقنية المعلومات والاتصالات، وهي جهة حكومية تابعة لوزارة الصناعة. هذا الالتزام بالإجراءات الرسمية يوحي بأن بكين حريصة على جعل التجربة نموذجاً منضبطاً أكثر منه مغامرة بيئية.

تسعى الصين إلى جعل كفاءة استخدام الطاقة في مراكز بياناتها (PUE) أقل من 1.5 بحلول نهاية عام 2025، بعدما بلغ المتوسط العالمي نحو 1.56 فقط. هذه الأرقام تعكس سباقاً تقنياً نحو مراكز بيانات أكثر استدامة، وأقل استهلاكاً للمياه والطاقة.

وهذا يعيدنا إلى السؤال الأساسي الذي يطرحه الخبراء: هل يمكن لهذا الاتجاه أن يحقق فائدة عالمية حقاً؟

ذو صلة

الخلاصة

بين طموح الصين التقني وتحذيرات علماء البيئة، يقف العالم أمام مفترق طريق مثير. ربما تحمل أعماق البحر جزءاً من الحل لأزمة الطاقة في عصر الذكاء الاصطناعي، وربما تخفي مشاكل بيئية لم نكتشفها بعد. لكن المؤكد أن “مركز البيانات تحت الماء” لن يكون مجرد تجربة محلية، بل اختباراً يهم الكوكب بأسره في كيفية التعايش مع ثورة البيانات دون أن ندفع ثمنها من حرارة البحار.

ذو صلة