لا يطير ولا يخاف: اللغز وراء أصغر طائر في العالم تم حله أخيرا!

3 د
اكتُشف طائر "ريل إنكسسيبِل" كأصغر طائر لا يطير في جزيرة نائية.
وصل الطائر إلى الجزيرة قبل مليون ونصف المليون عام من أمريكا الجنوبية.
تكيف الطائر بتقليص الأجنحة بسبب غياب مفترسات جعلت الطيران غير ضروري.
يوصي العلماء بحماية الجزيرة لتفادي إدخال كائنات مدمرة للنظام البيئي.
في أعماق مياه المحيط الأطلسي الجنوبي، وتحديدًا على جزيرة نائية تدعى "جزيرة إنكسسيبِل" ضمن أرخبيل تريستان، اكتشف العلماء مؤخرًا حكاية مذهلة لطائر لم يعرف العالم مثيلًا له من قبل. إنه طائر "ريل إنكسسيبِل"، أصغر طائر لا يطير معروف حتى اليوم، ويبلغ طوله خمسة إلى ستة سنتيمترات فقط، ويزن أقل من خمسين جرامًا. ولكن ماذا يفعل طائر عاجز عن الطيران في جزيرة معزولة على بعد آلاف الكيلومترات من أقرب يابسة؟ هذا هو اللغز الذي حاول الباحثون فك شيفرته مؤخرًا، ليخرجوا بنتائج جعلت قصة هذا الطائر موضوع شغف في أوساط علوم التطور والحياة البرية.
لطالما شكلت عزلة الجزيرة هاجسًا للباحثين، ودفعهم الفضول للتساؤل: كيف وصل طائر لا يقدر على الطيران إلى هذه الرقعة البعيدة جدًا عن القارات الكبرى؟ فالمسافة بين جزيرة إنكسسيبِل وسواحل البرازيل تفوق الثلاثة آلاف كيلومتر، ونظريات سابقة كان يعتقد أصحابها بوجود جسر بري متصل اختفى تحت أمواج المحيط. غير أن نظرية الصفائح التكتونية—التي تشرح حركة القارات على سطح الأرض—أكدت استحالة هذا الاحتمال. هنا دخلت الأبحاث الوراثية إلى الساحة، حيث قام فريق من العلماء بقيادة دكتور مارتن ستيرفاندر بتحليل الحمض النووي للطائر، ليكتشفوا أن جذوره تعود إلى طيور من أمريكا الجنوبية، ومن المرجح أنه وصل إلى الجزيرة قبل نحو مليون ونصف المليون عام.
وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن كواليس هذه الرحلة. بحسب الباحثين، فإن الطائر أو أسلافه الأوائل تمكنوا من قطع المسافة إما بالطيران لمسافات قصيرة متتابعة، أو ربما جرفتهم الرياح والعواصف، أو حتى حملتهم جذوع الأشجار المكسورة عبر البحر حتى حطوا على ضفاف الجزيرة. ومن المدهش أن حكاية الطائر الصغير لم تتوقف عند وصوله، بل تطورت في عزلة بيئية شبه كاملة ليظهر نوع فريد من التكيف.
تكيف مذهل ونشوء نوع جديد بلا أجنحة قوية
نتيجة لانعدام وجود مفترسات في جزيرة إنكسسيبِل، وجد الطائر الجديد بيئة آمنة وغنية بالغذاء من الديدان والبذور والفواكه، ما أتاح له فرصة مثالية للاستقرار. بمرور الزمن والأجيال، لم تعد الحاجة للطيران قائمة، خاصة وأن الهرب من الخطر لم يعد ضمن أولوياته. ومع تضاؤل استخدام الأجنحة تراجعت قوتها تلقائيًا، وتحول الطائر إلى نوع لا يجيد الطيران مطلقًا، في مثال حي وواضح على آليات التطور والتكيف في البيئات المعزولة. ويضعنا هذا التحول أمام قصة مذهلة عن كيف يمكن للعزلة والظروف الفريدة أن تشكل الكائن الحي من جديد، وتعطيه ميزات لم تكن واردة في أسلافه من قبل.
ولأن الفهم العلمي لا يقف عند حدود الجذور والجغرافيا، فقد أوصى العلماء بإعادة تصنيف طائر "ريل إنكسسيبِل" لينضم إلى جنس جديد أقرب إلى أقاربه في أمريكا الجنوبية بدلًا من اسمه القديم "أتلانتيسيا"، وهو ما أثار بعض الحنين للاسم التاريخي، لكنه يعكس في الوقت ذاته أدق ما توصل إليه التحليل الوراثي من روابط عائلية بين الطيور.
مع كل ذلك، فإن مصير الطائر الصغير ما زال معلقًا بخيط دقيق. جزيرة إنكسسيبِل حالياً خالية من الحيوانات المفترسة بفضل بعدها التام، لكن إدخال أي كائن دخيل مثل الفئران أو القطط، حتى دون قصد، كفيل بالقضاء على النوع بأكمله خلال زمن قصير. لهذا ينبه العلماء مرارًا إلى ضرورة حماية الجزيرة وبيئتها من أي مؤثر خارجي، حتى تستمر هذه التجربة الطبيعية المدهشة كمنجم معرفي لفهم أسرار التطور الحيوي على الجزر المعزولة.
من خلال هذا الاكتشاف العلمي، تتجدد الحاجة المستمرة لمراقبة التوازن البيئي، وتقدير التفاصيل الصغيرة التي قد تحدد مصير نوع كامل من الكائنات. وربما لو استعضنا أحيانًا عن كلمة "تطور" بمرادف تقني مثل "نشوء الأنواع"، أو أضفنا جملة تربط بوضوح بين خصوصية الجزيرة وأهمية العزلة البيئية، سيكتسب المقال تركيزًا أعمق ويضفي مزيدًا من التشويق والوضوح على القارئ المتابع لهذه الروايات العلمية المميزة.