لغز الأرض الغريب: لماذا اجتمعت كل القارات في جهة واحدة من الكوكب؟

3 د
تتكدس القارات بشكل غير متساوٍ، على جانب واحد من الأرض تقريبًا.
ظهرت القارة العظمى بانغيا منذ 335 مليون عام، وانقسمت تدريجيًا قبل 175 مليون عام.
يؤدي اتساع المحيط الأطلسي إلى بروز قارة عظمى جديدة مستقبلاً.
نرى الأرض ككرة زرقاء من الفضاء بسبب المساحة المائية الشاسعة للمحيط الهادئ.
الوجه المتغير للأرض يكشف الطبيعة الديناميكية للتشكيلات القارية باستمرار.
حين تنظر إلى خريطة العالم قد يبدو أن اليابسة تتوزع بنوع من التوازن بين المحيطات. غير أن نظرة أقرب إلى مجسم الكرة الأرضية تكشف مفارقة مدهشة: إذا أدرت الكوكب ليواجهك المحيط الهادئ، فلن ترى سوى محيط شاسع يمتد إلى الأفق؛ أما في الجهة المقابلة فستقع عيناك على كتلٍ قارية ضخمة تشمل إفريقيا وأوروبا وآسيا. هذا التوزع غير المتناظر يثير سؤالًا علميًا محيّرًا: ما السبب وراء تكدّس القارات في نصف الكرة تقريبًا؟
ينتقل بنا هذا السؤال مباشرة إلى تاريخ الأرض القديم، وتحديدًا إلى مرحلة **القارة العظمى بانغيا**، وإلى ما يعرف بدورة “القارات العظمى” في علم الجيولوجيا. فـ"بانغيا" ليست سوى أحدث نموذج من سلسلة قارات عملاقة تشكّلت ثم تفككت عبر مئات الملايين من السنين بسبب **الانجراف القاري** وحركة **الصفائح التكتونية** المستمرة.
حكاية القارات العملاقة
قبل نحو 335 مليون عام التحمت معظم اليابسة في قارة واحدة هائلة، ثم بدأت بالانقسام تدريجيًا قبل 175 مليون عام. آثار هذا الانفصال ما تزال واضحة حتى اليوم في تطابق السواحل بين قارة أمريكا الجنوبية وإفريقيا، مثل قطع أحجية نُزعت لتوّها من مكانها.
ويتبع العلماء مفهوم "دورة القارات العظمى" التي تمتد كل 300 إلى 500 مليون سنة، حيث تنجذب الكتل القارية لتشكيل قارة عظمى، ثم تتمزق من جديد بفعل تيارات باطن الأرض. من بين هذه التكتلات القديمة أسماء أقل شهرة مثل «غندوانا» و«نونا»، وكلها مراحل سبقت بانغيا في تاريخ الكوكب.
وهذا يربط بين ما نراه اليوم من تكتل قاري وما ينتظر الأرض في المستقبل.
حركة الصفائح والتغير الدائم
حاليًا، يتسع **المحيط الأطلسي** تدريجيًا تحت تأثير النشاط البركاني في منتصفه، مما يدفع الأمريكتين غربًا في الوقت الذي تنزاح فيه أوراسيا شرقًا. هذه العملية البطيئة تُعيد رسم خريطة الأرض على مهل، وقد تقود بعد عشرات ملايين السنين إلى ولادة **قارة عظمى جديدة** يسميها العلماء أحيانًا "بانغيا برُوكسيما" أو "القارة المستقبلية".
صحيح أن القارات تبدو متقاربة اليوم، لكنها في الواقع في مرحلة التباعد النسبي، ضمن مسار طويل من التحام وانفصال متكررين يشكّلان نبض حياة كوكبنا الجيوديناميكي.
وهنا يعود الحديث إلى المشهد الكبير للمحيط الهادئ الذي يمثل الجهة المقابلة لهذه الحركة.
وجه الأرض المائي
إذا صعدنا إلى المدار فوق جنوب المحيط الهادئ، فسنرى الأرض كما لم نألفها: كرة زرقاء عميقة تهيمن عليها مساحة مائية هائلة لا يقطعها سوى بضع جزر متناثرة. هذا المحيط فسيح إلى درجة أنه يحتوي داخل حدوده على النقطة المضادة لنفسه تقريبًا، أي إنه «يحتوي antipodesه الخاصة» حسب التعبير العلمي. هذه الرؤية تكشف بوضوح أن الماء يحتل القسم الأعظم من سطح الكوكب، فيما تحتشد القارات في النصف المقابل على نحو يروي قصة التغير المستمر في الجغرافيا الأرضية.
ختام المشهد
من بانغيا القديمة إلى المحيط الهادئ المعاصر، تفصح الأرض عن طبيعتها الديناميكية التي لا تعرف السكون. فالقارات ليست سوى جزر صخرية طافية على بحار من الصخور المنصهرة تتحرك ببطء مذهل، لكنها في النهاية تُعيد تشكيل وجه العالم مرة بعد أخرى. وهكذا يظل توزّع اليابسة والمحيطات تذكيرًا دائمًا بأن كوكبنا ما زال في طور التكوين المستمر، وأن التوازن الذي نشهده اليوم ليس إلا ومضة عابرة في تاريخٍ جيولوجي لا ينتهي.









