ذكاء اصطناعي

لغز العمر يُحل أخيرًا… والنتيجة ليست في صالح الرجال!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

تعيش النساء أطول من الرجال نتيجة لقوانين بيولوجية قديمة متجذرة في الجينات.

الكروموسومات الجنسية تلعب دوراً أساسياً في طول عمر الكائنات الحية.

التنافس الجنسي يسرع الشيخوخة لدى الذكور في معظم الثدييات.

الأمومة تعزز طول عمر الإناث كميزة تطورية.

المرأة تظل أطول عمراً من الرجل رغم تحسن الرعاية الصحية.

لطالما عاشت النساء عمراً أطول من الرجال، لكن السبب الحقيقي وراء ذلك لم يكن واضحاً تماماً. دراسة حديثة شاملة تناولت أكثر من ألف نوع من الكائنات الحية تكشف أن هذا التفوق في العمر ليس مجرد حظ أو نمط حياة، بل نتيجة لقوانين بيولوجية متجذّرة في بنية الحياة منذ ملايين السنين.

منذ عقود والعلماء يحاولون فهم هذه الفجوة الزمنية بين الجنسين، والتي تبلغ في المتوسط نحو خمس سنوات عالمياً. ورغم الحروب والأوبئة والتحولات الاجتماعية الكبرى، ظلّ التفوق الأنثوي في معدلات العمر قائماً. بحث جديد نشر في مجلة *Science Advances*، قاده فريق دولي من جامعة جنوب الدنمارك، ألقى الضوء على الأسباب الحقيقية لذلك من خلال مقارنة بيانات **528 نوعاً من الثدييات** و**648 نوعاً من الطيور** في البرية وحدائق الحيوان.

وهذا يربط بين فهمنا للبيولوجيا الحديثة وجذورٍ تعود إلى البدايات التطورية للحياة.


الجينات تحدد مصير العمر

تُظهر النتائج أن الفارق بين الجنسين في طول العمر ليس صدفة ولا يخص البشر فقط، بل يتجذر في طبيعة الكروموسومات. فأنثى الثدييات تحمل **كروموسومين من نوع X** يمنحانها ما يشبه “شبكة أمان جينية” تحميها من الطفرات الضارة. أما الذكر، الذي يحمل زوج X وY، فيفتقر إلى هذه الحماية. لكن في عالم الطيور تنقلب الصورة: الأنثى تملك **ZW**، والذكر **ZZ**، ولهذا يعيش الذكور من الطيور غالباً أكثر.

يقول الباحثة يوهانا شتارك إن هذه الفروق تستمر حتى عندما تعيش الحيوانات في بيئات آمنة، كحدائق الحيوان، ما يدل على أن **البيولوجيا لا البيئة** هي العامل الحاسم لطول العمر.

وهذا يربط بين البنية الجينية لكل نوع وسلوكياته التكاثرية التي تعزز أو تحدّ من عمره.


الصراع من أجل التزاوج يسرّع الشيخوخة

في معظم الثدييات، يدفع **الانتقاء الجنسي** الذكور إلى منافسة شرسة على الإناث، سواء عبر القتال أو إظهار القوة أو السيطرة على الأراضي. هذه المنافسة تستهلك الطاقة وتزيد من الإصابات والإجهاد، ما يؤدي إلى **تسارع الشيخوخة**. أما الطيور، وخاصة الأنواع التي تميل إلى **الأحادية الزوجية**، فتتقاسم الأعباء وتعيش أعماراً أطول نسبياً.

ومع الانتقال من الصراع إلى الرعاية، تظهر ميزة أخرى تكشفها الدراسة.


الأمومة وديمومة الحياة

وجد الباحثون أن الأنواع التي يتطلب نسلها **رعايةً أمومية مكثفة** — مثل الرئيسيات — تطوّر إناثها أعماراً أطول. فكلما زاد بقاء الأم، ارتفعت فرص بقاء الصغار، ما جعل **طول عمر الإناث** ميزةً تطورية مباشرة. كما تمتلك الإناث جهازاً مناعياً أقوى، يحميها من الأمراض المعدية رغم أنه يجعلها أكثر عرضة لأمراض المناعة الذاتية.

وهذا يربط بين الوظيفة البيولوجية للأنثى في الرعاية وبين البنية المناعية التي ضمنت استمرار الأجيال.


إرث تطوري يتجاوز الزمان

ذو صلة

تؤكد البيانات أن هذه المفارقة بين الذكور والإناث ليست مقصورة على البشر، بل تمتد من الفيلة إلى الطيور الجارحة. ورغم جهود الطب الحديث وتحسن الرعاية الصحية، تبقى **المرأة أطول عمراً من الرجل في كل بلد تقريباً** وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. ففي السويد مثلاً، توسّعت الفجوة من عامين في القرن الثامن عشر إلى أكثر من خمسة أعوام اليوم.

ورغم أن التقدّم الطبي والمساواة الاجتماعية يضيّقان الهوة، يبدو أن **المنطق التطوري** ما زال يترك بصمته القديمة: يمكن تقليص الفارق، لكن يصعب محوه تماماً. ما كشفته هذه الأبحاث أن طول عمر النساء ليس مجرد ظاهرة اجتماعية بل **إرث بيولوجي عمره ملايين السنين**.

ذو صلة