ذكاء اصطناعي

لغز لا يُرى بالعين.. خط والاس يفرض حدوداً لا تستطيع أيّ كائنات عبورها!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

يقسم خط والاس الحياة البرية بين آسيا وأستراليا بشكل مذهل وغير مرئي.

لاحظ ألفريد راسل والاس اختلاف الحيوانات بين جزر متقاربة في القرن التاسع عشر.

تحافظ الظروف المناخية المتباينة على الفصل البيئي بين الحيوانات عبر الزمن.

يستمر تأثير خط والاس رغم التغيرات البيئية الحديثة ودراسات علمية مرموقة تدعمه.

يعلمنا الخط أهمية البيئة والمناخ في تشكيل التنوع البيولوجي وحمايته من التغيرات المناخية.

في أعماق الجزر الواقعة بين آسيا وأستراليا، يرسم العلم خطاً غير مرئي لا يمكن لأي نوع من الكائنات تجاوزه بسهولة. هذا الخط، المعروف باسم **خط والاس**، ما زال منذ قرون يشغل بال العلماء لما يحدثه من تباين مذهل في الحياة البرية على جانبيه.

تعود فكرة هذا الحدّ الغامض إلى القرن التاسع عشر، حين لاحظ المستكشف البريطاني **ألفريد راسل والاس** أن الحيوانات في جزر قريبة جداً من بعضها تختلف اختلافاً تاماً؛ ففي شمال الخط يسود عالم النمور والفيلة والقرود الآسيوية، بينما تقع في الجنوب أرض الكنغر والكوالا والطحالب الأسترالية الغريبة. كان هذا الاكتشاف الشرارة التي فتحت باباً واسعاً أمام دراسة تطوّر الأنواع وفهم العوامل البيئية والجغرافية التي شكّلتها.

وهنا يصبح التساؤل مطروحاً: ما الذي جعل هذا الفصل الطبيعي يستمر ملايين السنين دون أن تختلط الأنواع حقاً؟


كيف نشأ الخط الفاصل؟

قبل نحو ثلاثين مليون عام، بدأت القارة الأسترالية بالانفصال تدريجياً عن القارة القطبية الجنوبية. هذا التحرك التكتوني أدى إلى تغيّر جذري في دوران البحار والمناخ العالمي. تشكّل **التيار الدائري القطبي الجنوبي**، الذي يعزل اليوم المياه المتجمدة في الجنوب، فبرد الكوكب بشكل واضح وبدأت الأنظمة البيئية الجديدة في التشكل.
ومنذ ذلك الوقت، تحوّلت أستراليا إلى قارة باردة وجافة نسبياً، بينما ظلت آسيا خضراء واستوائية. هذا التناقض المناخي جعل الحيوانات المتكيفة مع أحد الطرفين تعجز غالباً عن البقاء في الطرف الآخر.

وهذا يربط بين تفسير نشأة الخط وبين استمرار تأثيره حتى يومنا هذا رغم تغيّر المدن والبحار والمناخ.


جغرافيا تفصل وبيولوجيا تفسّر

لا يُعدّ خط والاس مجرد ترسيم جغرافي، بل حاجزاً بيولوجياً يحدد مصائر الكائنات. ففي حين انتشرت في آسيا مخلوقات الغابات الكثيفة، ازدهرت في أستراليا الثدييات الكيسية مثل الكنغر، والوحيدة المسننة مثل خلد الماء. وفي العقود الأخيرة، أظهرت دراسات حديثة نُشرت في مجلات علمية مرموقة أن هذا الفصل لا يزال مؤثراً حتى مع التغيرات البيئية الحديثة.
ورغم أن بعض الطيور أو الزواحف تمكّنت من عبور هذا الحاجز، إلا أن نسبة النجاح ما تزال نادرة، وهو ما يدفع الباحثين إلى دراسة العوامل الوراثية والمناخية التي تحدد قدرة الأنواع على التكيّف.

ومن خلال هذا البحث تتضح الأهمية الكبرى لخط والاس في فهم تنوع الكائنات، خاصة في ظل تسارع **التغير المناخي** الذي يهدد مواطنها الطبيعية.


دروس للمستقبل

ذو صلة

إذا ما تعلمنا شيئاً من هذا الحدّ الغامض، فهو أن البيئة والمناخ قادران على صياغة الحياة بوجهين مختلفين بغض النظر عن القرب الجغرافي. ويدعو العلماء اليوم إلى الاستفادة من هذه المعرفة في **حماية التنوع البيولوجي** وتوقّع كيفية تأثر الأنواع مع استمرار الاحتباس الحراري وتبدّل نظم المطر والغابات. فالفصل الذي صنعته الطبيعة عبر ملايين السنين يمكن أن يساعدنا في التفكير بكيفية إعادة التوازن بين الإنسان وكوكبه.

في النهاية، يبقى **خط والاس** مثالاً مدهشاً على قوة الطبيعة في رسم حدود لا تُرى بالعين، ولكن نتائجها تُرى بوضوح في كل غابة وكل جزيرة، مؤكداً أن الأرض ما تزال تحتفظ بأسرارها الكبرى لمن يحسن الإصغاء إليها.

ذو صلة