ذكاء اصطناعي

ليست بفعل الماء أو الحياة… بل جليد CO₂ المتفجّر هو من ينحت تضاريس المريخ الغريبة

محمد كمال
محمد كمال

3 د

منذ عقود يحاول العلماء فهم أخاديد المريخ المحفورة في الكثبان الرملية.

الدكتورة لونكه رولوفز فسّرت أن جليد ثاني أكسيد الكربون هو "اليد الخفية" وراء ذلك.

تشبه تجربة رولوفز ديدان الرمل تُشكّل أخاديد عميقة في كثبان المريخ.

الضغط الغازي الناتج عن تسامي الجليد يُعيد تشكيل تضاريس المريخ بطرق فريدة.

تساهم هذه الدراسات في فهم الكواكب وآلية تشكّلها وظواهرها الطبيعية.

منذ عقود يحاول العلماء فهم كيف تشكلت الأخاديد الغامضة التي تشقّ الكثبان الرملية على سطح المريخ. واليوم، توصلت عالمة الأرض الدكتورة **لونكه رولوفز** من جامعة أوتريخت الهولندية إلى تفسير مدهش، إذ أظهرت تجاربها أن كتلًا من **جليد ثاني أكسيد الكربون** كانت هي "اليد الخفية" التي حفرت تلك الأخاديد بطريقة لا نعرف لها مثيلاً على الأرض.

تصف رولوفز مشهد التجربة بقولها: *"شعرتُ وكأنني أشاهد ديدان الرمل في فيلم 'الكثبان' وهي تشق طريقها في الرمال."* فقد شاهدت خلال اختبارات في بيئة تحاكي المريخ كيف أن قطعة جليد من ثاني أكسيد الكربون بدأت بالحركة نزولاً على منحدر رملي، تنفث الغاز من أسفلها بفعل **التحول من الحالة الصلبة إلى الغازية**، أو ما يعرف علمياً بـ"التسامي"، لتدفع نفسها إلى الداخل وتحفر مجرى عميقاً وهي تتقدّم في انحدار الكثيب.

وهذا يربط بين فهم العلماء السابق لدور الجليد في تشكيل سطح المريخ وبين نتائج هذه التجارب الفريدة التي تقدم دليلاً عمليًا على آلية الحفر.


الجليد المتفجر: تجربة تحاكي الشتاء المريخي


خلال الشتاء القارس للمريخ، حيث تنخفض الحرارة إلى نحو **120 درجة مئوية تحت الصفر**، تغطي طبقة من جليد ثاني أكسيد الكربون الكثبان الرملية في النصف الجنوبي من الكوكب. وحين يأتي الربيع، تبدأ درجات الحرارة بالارتفاع، فتنفصل كتل من الجليد قد يبلغ طول الواحدة منها متراً كاملاً. ومع التلامس بين الجليد البارد والرمال الدافئة، يتبخر الجليد فوراً من سطحه السفلي مولداً **ضغط غازٍ عالٍ**، أشبه بانفجار صغير يطيح بالرمال ويجعل الكتلة تنغرس بعمق أكبر.

من هنا يتكوّن مجرى طويل ضيق تحيط به حواجز رملية صغيرة على الجانبين، وهي نفس البصمة التي ترصدها صور المركبات المدارية على سطح الكوكب الأحمر. وبهذا يتواصل الخيط بين المشهد المختبري والظواهر الحقيقية الموثقة من مدار المريخ.


مختبر يحاكي المريخ على الأرض


برفقة طالبتها سيمون فيششر، سافرت رولوفز إلى مدينة ميلتون كينز البريطانية، حيث استخدمتا مرفقاً يُعرف باسم **غرفة المريخ** في الجامعة المفتوحة؛ وهي بيئة يمكن فيها التحكم بالضغط ودرجة الحرارة لمحاكاة الغلاف الجوي المريخي الرقيق. جرب الفريق إسقاط كتل الجليد من قمم منحدرات متفاوتة الميل حتى توصّل إلى الشرط المناسب الذي يسمح للجليد بالتحرك كالزاحف، فاتحاً أخدوداً غريب الشكل كما لو كان مخلوقاً حياً يتحرك تحت السطح.

وهذا يقود إلى فهم أوسع لكيفية اختلاف العمليات الجيولوجية على المريخ عن الأرض، إذ يمكن للطاقة الناتجة عن الضغط الغازي وحدها أن تعيد تشكيل التضاريس المريخية.


المريخ... مرآة لفهم كوكبنا


تؤكد رولوفز أن سرّ شغف العلماء بالمريخ لا يرتبط فقط بسؤال "هل كانت هناك حياة؟"، بل أيضاً لأنه يقع في المنطقة المعتدلة من النظام الشمسي، ما يجعله أقرب بيئة صخرية تشبه الأرض. دراسة الجليد، **التسامي**، حركة الرمال و**التحولات المناخية** على سطحه تمنح العلماء فهماً أعمق لما يمكن أن يحدث على كوكبنا تحت ظروف مختلفة.

ذو صلة

في النهاية، يذكّرنا هذا البحث بأن الكواكب ليست مجرد أجسام جامدة في الفضاء، بل عوالم حيّة علمياً، تتنفس وتتشكل بفعل الفيزياء والكيمياء في تفاعل دائم. أخاديد المريخ ليست آثار مخلوقات غامضة، بل دليل على كيف يمكن للطبيعة ـ حتى في أقسى البيئات ـ أن تبتكر طُرقاً مذهلة لرسم ملامحها.

ذو صلة