مجال مغناطيسي قديم يعيد كتابة قصة تشكل كوكبنا!

3 د
كشف باحثون عن نموذج يفسر السلوك الغامض للحقل المغناطيسي خلال فترة الإدياكاران.
النتائج تُظهر وجود أنماط مميزة في اتجاهات الأقطاب المغناطيسية قد تعيد رسم صورة الحقل المغناطيسي.
استخدم الفريق أساليب تحليل مغناطيسي دقيقة لرفع دقة تعقب مواقع الأقطاب المغناطيسية.
الدراسة تُحسن دقة الخرائط الجيولوجية لفهم حركة القارات وتكوّنها في العصور القديمة.
المنهج الإحصائي الجديد قد يمكن من إنشاء سجل متصل لتاريخ الحقل المغناطيسي للأرض.
في دراسة علمية حديثة، كشف باحثون في جامعة ييل وعدة مؤسسات أكاديمية أخرى عن نموذج جديد يفسر السلوك الغامض للحقل المغناطيسي للأرض خلال فترة الإدياكاران، وهي مرحلة جيولوجية امتدت قبل نحو ٦٣٠ إلى ٥٤٠ مليون سنة. هذا الاكتشاف يفتح باباً واسعاً أمام فهم أعمق لتاريخ كوكبنا وتغيراته التكتونية القديمة.
لمدة عقود، حيّر العلماء ما رُصد من بيانات مغناطيسية في صخور تلك الحقبة، إذ بدت الإشارات المسجلة فيها غير منتظمة مقارنة بالفترات الجيولوجية الأخرى. وطرحت هذه الظواهر أسئلة كثيرة حول استقرار الحقل المغناطيسي للأرض، ومدى اختلاف حركة الصفائح التكتونية آنذاك عن الوضع الراهن.
وهذا يربط بين الجهود الحديثة ومحاولات سابقة لتفسير سلوك الحقل المغناطيسي من خلال رؤى جديدة بدل الاكتفاء بتصنيفه كظاهرة فوضوية.
فهم جديد لفوضى الماضي
يقول الباحث ديفيد إيفانز، أستاذ علوم الكواكب والأرض في جامعة ييل، إن الفريق يقترح نموذجاً يعثر على "بنية داخل التغير"، أي إنه يرى في الاختلافات إيقاعاً يمكن تعقّبه وفهمه. وبدلاً من النظر إلى تلك التحولات كمجرد عشوائية، تُظهر النتائج وجود أنماط مميزة في اتجاهات الأقطاب المغناطيسية يمكن أن تعيد رسم صورة حركة القارات والحقل المغناطيسي في ذلك الزمن السحيق.
ومن هنا، يبدو أن هذا التفسير يعيد ترتيب أفكار العلماء حول طبيعة توازن المجال المغناطيسي، وكيفية تفاعل اللب الحديدي مع القشرة الأرضية على المستوى الجيوديناميكي.
أدوات تحليلية أكثر دقة
اعتمد الفريق بقيادة الباحث جيمس بيرس على أساليب تحليل مغناطيسي دقيقة تُعرف بالجيومغناطيسية القديمة، مع تحسينات في تحديد أعمار الطبقات البركانية ورفع دقة الطبقات الصخرية التي حُددت عليها البيانات. هذا الأسلوب مكّن العلماء من تتبّع تغيّر مواقع الأقطاب المغناطيسية عبر مراحل زمنية قصيرة نسبياً، وهو ما لم يكن ممكناً في الدراسات السابقة.
وبهذه الطريقة، تحوّل الغموض إلى خريطة زمنية واضحة لتقلّب الحقل المغناطيسي، تتيح رسم ملامح أكثر دقة لتاريخ الأرض القديم ونشاطها الداخلي.
إعادة بناء حركة القارات
ولا تقتصر أهمية الدراسة على المجال المغناطيسي فحسب، بل تمتد إلى فهم تحركات الصفائح التكتونية وانجراف القارات القديمة. إذ لطالما استعان العلماء بالبيانات المغناطيسية لتحديد مواقع القارات في الأزمنة الغابرة، لكن الاختلافات الشديدة في إشارات الإدياكاران أعاقت بناء تصور موثوق لتلك الحقبة. الآن، بفضل المنهج الجديد، يمكن تحسين دقة الخرائط الجيولوجية التي توضح كيفية تشكّل قارات الأرض القديمة وتوزيعها.
وهذا بدوره يمهّد لتكامل أوضح بين علوم الجيولوجيا والفيزياء الكوكبية في دراسة تاريخ الكوكب وعلاقته بتطور غلافه الحيوي.
نحو سجل مغناطيسي متصل لتاريخ الأرض
يعتقد الباحثون أن المنهج الإحصائي الذي طوروه قد يكون المفتاح لربط البيانات "الفوضوية" لتلك الفترة بالأنماط المستقرة في الفترات الأقدم والأحدث، مما يتيح إنشاء سجل متصل لتاريخ الحقل المغناطيسي للأرض على مدى مليارات السنين. مثل هذا السجل لا يثري معرفتنا بالحركات التكتونية فحسب، بل يساعد أيضاً في تفسير كيفية حفاظ الكوكب على غلافه المغناطيسي الواقي عبر العصور.
في الختام، يمثل هذا الاكتشاف نقطة تحول في علم الجيومغناطيسية القديمة، ويعيد رسم حدود معرفتنا بتاريخ الأرض العميق، مؤكداً أن ما كنا نراه فوضى في بيانات الماضي، ربما لم يكن سوى نظام دقيق لم نملك بعد مفاتيحه الكاملة.









