ذكاء اصطناعي

معهد MIT يؤكد: أينشتاين كان مخطئًا بشأن طبيعة الضوء قبل 100 عام

محمد كمال
محمد كمال

3 د

حل علماء MIT لغز ازدواجية الضوء، مؤكدين صحة نظرية بوهر.

استخدم الفريق آلاف الذرات كمصادر للضوء لاجراء تجربتهم المبتكرة.

أظهرت النتائج أن المراقبة الدقيقة تقلّص وضوح نمط التداخل الموجي.

تعزز التجربة العلاقة بين التقنية الحديثة والميكانيكا الكمّية.

يتواصل البحث لتفسير الأزواجية الظاهرة في طبيعة الضوء.

هل تساءلت يوماً: هل الضوء موجة أم جسيم؟ سؤال بسيط للوهلة الأولى، لكنه حيّر علماء الفيزياء لنحو قرن من الزمن، حتى انتقل من دفتري أينشتاين وبوهر إلى مختبرات معهد MIT، ليحسم أخيراً بواحدة من أذكى التجارب العلمية وأكثرها دقة. دعنا نرشدك في جولة علمية قصيرة حول هذا الاكتشاف المثير وتداعياته في عالم ميكانيكا الكم والغموض الكوني.

مناظرة بين عملاقين: أينشتاين ضد بوهر
لطالما كان الضوء لغزاً فيزيائياً يحمل طابع الازدواجية. فقد أثبتت تجربة الشقين الشهيرة (double-slit experiment) التي أدهشت العالم في بدايات القرن التاسع عشر أن الضوء يتصرف أحياناً كموجة، وأحياناً أخرى كجسيم (فوتون). هذا السلوك المحيّر أجّج النقاش بين اثنين من أعظم عقول الفيزياء: أينشتاين الذي سعى لإثبات إمكانية تتبع مسار الجسيمات وملاحظة تداخل الأمواج معاً، وبوهر الذي استند إلى مبدأ الريبة ليؤكد أن محاولة المراقبة نفسها تغيّر من طبيعة الظاهرة وتدمر نمط التداخل الموجي. هذا النقاش لم يبق محصوراً في أروقة المؤتمرات العلمية فحسب، بل أصبح حجر الزاوية في فهمنا لطبيعة المادة والطاقة.

ومن هنا تبرز أهمية التجربة الحديثة, حيث تربط الجدل النظري بحقائق معملية دقيقة لم تكن متاحة سابقاً.

الشقوق الأصغر في العالم
في قفزة مبدعة، تخلّى فريق MIT بقيادة البروفيسور فولفغانغ كيترله عن استخدام الشقوق التقليدية، واستبدلها بـ 10 آلاف ذرة مبردة إلى درجة تقارب الصفر المطلق وموزعة بدقة مذهلة على شكل مصفوفة بلورية باستخدام أشعة الليزر. كل ذرة مثلت شقاً دقيقاً ونموذجياً لم يسبق له مثيل في تاريخ الفيزياء التجريبية. بواسطة هذه البنية الدقيقة، سلّط الفريق شعاع ضوء خافت جداً بحيث تضمنوا أن كل ذرة لن تتعرض إلا لفوتون منفرد في كل مرة. لاحظ العلماء أن بوسعهم تعديل ما سموه "ضبابية" الشق الذري هذه بتغيير شدة الليزر، مما سمح لهم بالتحكم الدقيق في المعلومات التي يمكن جمعها عن مسار الفوتون.

وهذا الربط بين التقنية الجديدة وتجربة الشقين التقليدية يُعطي لمحة عن عمق التطور الهائل الذي وصل إليه البحث العلمي في اكتشاف ألغاز ميكانيكا الكم اليوم.

مفاجآت ميكانيكا الكم: لا جدوى من المراقبة الدقيقة
بما أن التجربة تتيح للفريق مراقبة التغيرات الناتجة مباشرة كلما انتقل فوتون قرب إحدى الذرات، وجد الباحثون أن مجرد الحصول على معلومات أدق عن مسار الفوتون قلّص تدريجياً وضوح نمط التداخل الموجي. فكلما زادت معرفة العلماء عن موقع الفوتون (أي اكتسب الضوء صفة الجسيم)، ضاعت تدريجياً ميزة التداخل وتقوّى الطابع الجسيئي على حساب السلوك الموجي. وهكذا أكد الفريق، وبوضوح أكثر من أي وقت مضى، أن محاولة قياس أحد جوانب الضوء تحجب الجانب الآخر تماماً، في مشهد يرسّخ ما يُعرف بازدواجية الموجة-الجسيم.

وهذا يدفعنا للتساؤل عن حدود المعرفة البشرية: كلما حاولنا التدقيق في التفاصيل المجهرية، أفلتت منا الصورة الكاملة، وكأن الكون يحتفظ بأسراره بعيداً عن العدسة الدقيقة.

النتائج الفارقة: انتصار بوهر، وحتمية اللامعقول في الكون
توّج الفريق تجربته بنشر النتائج في مجلة Physical Review Letters، ليجمع أدلة دامغة تؤكد صحة ما توقعه نيلز بوهر ويثبت خطأ محاولة أينشتاين الجمع بين فيزياء الجسيمات والتداخل الموجي في آن واحد. فأي محاولة لسبر مسار الفوتون أياً كانت دقتها، ستدمر بالضرورة نمط التداخل – في انتصار لمبادئ اللايقين وعدم اليقين التي تقود ميكانيكا الكم. يمكن القول إن هذه التجربة رسمت الحد الفاصل بين الاستبصار النظري والبرهان العملي، مانحة إيانا نافذة أوسع لفهم الطبيعة الغامضة للضوء وكيف يحكم الكون قوانينه بأصابع خفية.

ذو صلة

وفي ضوء هذه الإنجازات، سيظل باب التساؤلات مفتوحاً أمام الفيزيائيين لمحاولة التعمق في تفسير هذه الازدواجية الفريدة – وربما البحث ذات يوم عن لفظة بديلة لكلمة “ضبابية” تعكس دقة علمية أكبر، أو لصياغة أفكار الربط بحيث تكون أكثر مباشرة لكل قارئ يسعى لاكتشاف أعماق هذا الكون الساحر.

في النهاية، دروس تجربة MIT لا تقتصر على هزيمة نظرية لصالح أخرى، بل تضعنا كمجتمع علمي وإنساني أمام تحدي فهم الوجود من حولنا، والقبول بدور الملاحظة والمراقب في أساس الواقع نفسه – فكل جواب يفتَح أبواباً لأسئلة أكثر عمقاً، وهذه هي متعة العلم الحقيقية.

ذو صلة