مقبرة مغلقة منذ 2,600 عام تُفتح… والكنوز الإترورية تظهر بلا خدش!

3 د
اكتشاف مقبرة إترورية مغلقة منذ 2600 عام بإيطاليا يحتوي على أكثر من 100 قطعة أثرية.
المقبرة المحفوظة تقدم لنا نافذة على حضارة الإتروسكان المتقدمة التي سبقت الرومان.
القطع المكتشفة تشمل أسلحة برونزية وفخار مزخرف يعكس المهارة الحرفية الرفيعة.
الاكتشاف يعتبر فرصة لفهم حضارة الإتروسكان التي ألهمت الثقافة الرومانية.
الدراسة المستقبلية للمكتشفات تلقي الضوء على أنماط الحياة والعقائد عند الإتروسكان.
تخيلوا لوهلة أن الزمن توقف قبل 26 قرنًا في إحدى تلال إيطاليا، وبقي كل شيء كما هو دون أن تطاله يد البشر أو عوامل الطبيعة، ليعود الآن وينبض بالحياة بين أيدينا! فقد أعلنت بعثة دولية بقيادة جامعة بايلور الأمريكية عن اكتشاف مقبرة إترورية مغلقة تمامًا تعود إلى 2600 عام، وذلك في إقليم أومبريا بوسط إيطاليا، في حدث وصفه علماء الآثار بأنه لا يتكرر إلا مرة واحدة في العمر.
مقبرة لم تمسها يد منذ العصر الإتروري
عندما دخل فريق علماء الآثار إلى تلك الحجرة الحجرية، وجدوا أنفسهم أمام مشهد أقرب إلى فتح كبسولة زمنية. فقد بقي باب المقبرة الحجري مغلقًا بإحكام، ليحفظ لعصور طويلة كل ما بداخلها من أسرار الحياة اليومية والطقوس الجنائزية في حضارة الإتروسكان العريقة. هذه المقبرة نجت من السرقة والعبث الذي طال معظم المدافن القديمة في المنطقة، لتمنحنا اليوم نافذة فريدة نطل منها على تفاصيل مجتمع سبق الرومان في الريادة والازدهار.
ومن هنا ينتقل بنا الحديث إلى أهمية هذا المجتمع القديم، وطبيعة القطع الأثرية المذهلة التي عثر عليها داخل المقبرة.
كنوز مدفونة: أسلحة برونزية وفخار فني وطقوس ما بعد الحياة
داخل غرفة الدفن، عثر الخبراء على أكثر من 100 قطعة أثرية بحالة حفظ مميّزة. كان من بينها أسلحة برونزية، وأوانٍ فخارية مزخرفة باحترافية، وحُليّ واكسسوارات شخصية، بعضها يتسم بالطابع اليومي، فيما حمل بعضها رمزية واضحة لعالم الموت والعقائد الدينية عند الإتروسكان. انعكست على هذه القطع ملامح المهارة الحرفية، واتضح من تفاصيلها مكانة صاحب المقبرة وطبقته الاجتماعية.
وعلينا أن نتوقف هنا مع الفخار تحديدًا، إذ أضاءت زخارفه ورسوماته على اتساع شبكة التجارة التي كانت تربط الإتروسكان بشعوب البحر المتوسط. أما الأسلحة البرونزية، فكانت دليلًا على أن صاحب المقبرة -على الأرجح- كان محاربًا رفيع الشأن. إذًا، نحن لا نقف فقط أمام مقتنيات مادية، بل أمام شواهد اجتماعية وتاريخية تعكس عظمة حضارة شكلت أساس الثقافة الرومانية فيما بعد.
هذا يكمل صورة أهمية الاكتشاف، خصوصًا إذا عرفنا ندرة العثور على مدافن إترورية بحالتها الأصلية، فمعظم الدلائل حول حضارة الإتروسكان كانت شظايا متناثرة بسبب السرقة أو الإهمال على مر القرون.
نافذة جديدة لفهم حضارة أسست روما
إذا دققنا في معطيات هذا الاكتشاف، سنجد أنه فرصة ذهبية لفهم حضارة لطالما أثارت فضول المؤرخين. فأسلوب تحنيط الموتى، ونوعية الهدايا الجنائزية، وتوزيع الأغراض داخل المقبرة، كلها تفاصيل دقيقة تسمح بفهم المنظومة الفكرية والعقائدية لدى الإتروسكان. علاوة على ذلك، يعكف العلماء حاليًا على دراسة المواد العضوية المحفوظة داخل هذا البيئة المغلقة، ما قد يساعد في حل ألغاز تتعلق بأنماط المعيشة والطعام والتجارة والحرف التي سادت آنذاك.
ولعل الأهم هو أن حضارة الإتروسكان، التي انتشرت بين القرنين التاسع والأول قبل الميلاد، بقيت رغم اندماجها في روما مصدر إلهام للأخيرة من حيث الديانة والهندسة والحكم، وما زال أسرار لغتهم وتدوينهم يحيّر الباحثين حتى اليوم.
ولهذا السبب تكتسب كل تفصيلة ضمن هذا الكشف أهمية مضاعفة، وتغدو مصدرًا لإعادة رسم صورة كاملة عن واحدة من أعرق حضارات حوض المتوسط.
المستقبل: دراسة مستفيضة ووعود بالاكتشافات
ختامًا، أكد فريق مشروع سان جوليانو الأثري أن عملية التنقيب ربما انتهت في الموقع، لكن تحليل وفهم هذا الاكتشاف لن ينتهيا قريبًا. ملايين الأسئلة تبحث عن أجوبة وسط هذه الكنوز المغلقة لعقود. مع كل جرة فخار، وسيف برونزي، وقطعة أكسسوارات، تظهر أمامنا صفحة جديدة من تاريخ لم يُكتب بعد عن عادات وتقاليد وتطلعات الإتروسكان نحو العالم الآخر.
وهكذا، تترابط خيوط القصة من داخل المقبرة المغلقة حتى أسس الحضارة الرومانية، لنجد أنفسنا أمام نافذة نادرة تستحق التأمل في فكرة الخلود الأثري، وحلم البشر الأبدي بترك بصمة تتحدى الزمن.









