ذكاء اصطناعي

من الصين… شريحة ذاكرة خارقة أسرع 10 آلاف مرة تغير مستقبل الذكاء الاصطناعي

محمد كمال
محمد كمال

4 د

طور فريق بحثي من جامعة فودان شريحة ذاكرة "فلاش" تسجل بسرعة 25 مليار بت بالثانية.

يساهم الجرافين في هذا التقدم بفضل قدرته على نقل الشحنات بسرعة مقارنة بالسيليكون.

يسمح الإنجاز بتخزين ومعالجة البيانات فورياً، مما يعزز أداء الأجهزة الذكية والكفاءة الطاقية.

تعد هذه الشريحة تحولاً في تصميم الذواكر وقد تقلل من كلفة واستهلاك طاقة المعالجات.

تسهم النتائج في تعزيز اكتفاء الصين الذاتي وتقديم ابتكارات تخدم صناعة الرقائق الإلكترونية.

تخيل أنك تفتح جهاز الكمبيوتر أو الهاتف ويستجيب في لمح البصر، من دون انتظار طويل لتحميل البيانات. الآن، يبدو أن هذا المستقبل قد أصبح أقرب من أي وقت مضى بفضل إنجاز صيني جديد يضع معايير غير مسبوقة في عالم تخزين المعلومات وتقنيات الذكاء الاصطناعي. ففي تطور ثوري، أعلن فريق بحثي من جامعة فودان عن تطوير شريحة ذاكرة من نوع “فلاش” قادرة على تسجيل البيانات بسرعة مذهلة، وبمعدل يصل إلى 25 مليار عملية في الثانية الواحدة—أي أسرع بـ 10 آلاف مرة من أفضل شرائح التخزين المتوفرة اليوم.

تضع هذه القفزة التكنولوجية الأجهزة الحديثة، من الروبوتات إلى السيارات الذكية، على أعتاب عصر جديد يمكن فيه التغلّب أخيراً على عنق الزجاجة الذي شكّله بطء وحدات التخزين أمام تقدم معالجات الذكاء الاصطناعي.


كيف كسرت الشريحة الصينية القيود؟

ينبع التقدّم من استخدام مادة الجرافين، وهو شكل ثنائي الأبعاد من الكربون مشهور بقدرته على نقل الشحنات بسرعة خارقة مقارنةً بالسيليكون المعتاد. في شرائح الذاكرة التقليدية هناك دائماً مفاضلة: “الرام” (RAM) سريعة لكنها تخسر كل شيء عند فصل الكهرباء، أما “الفلاش” فهي تحتفظ بالبيانات من دون كهرباء لكنها عادةً بطيئة في الكتابة. هنا جاء اكتشاف جامعة فودان، فدمجوا سرعة الرام مع استقرار الفلاش، عن طريق تطوير قناة إلكترونية من الجرافين وتعديل ما يُعرف بـ”طول جاوسي” في بنية الشريحة، ما يسمح بتدفق الشحنات بسرعة صاروخية إلى طبقة التخزين.

هذا يعني بكل بساطة أن الشريحة “PoX” الجديدة تفتح المجال أمام عمليات نقل بيانات فورية تقريباً، وتتيح تخزين المعلومات بصورة دائمة وموثوقة من دون الحاجة إلى طاقة كهربائية مستمرة.

وتربط هذه النقلة النوعية بين التقدم العلمي ودفع حدود الذكاء الاصطناعي نحو أداء أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة، وهو حلم طالما سعى إليه المهندسون حول العالم.


ثورة في أداء معالجات الذكاء الاصطناعي

ليس خافياً أنّ معالجات الذكاء الاصطناعي الحديثة تستهلك معظم طاقتها في نقل البيانات وليس في المعالجة نفسها. أجهزة مثل وحدات المعالجة الرسومية (GPU) تُعاني من اختناق في الأداء لأن ذاكرة الفلاش بطيئة مقارنة بسرعة العمليات الحسابية. ومع ظهور هذه الشريحة الخارقة، يصبح ممكناً تخزين البيانات الضخمة ومعالجتها فورياً دون عناء النقل أو إعادة التحميل. الأمر يعني أيضاً أن الأجهزة الذكية المحمولة—كالروبوتات والهواتف ومراكز البيانات الصغيرة عند “الحافة” (Edge Computing)—بات بإمكانها العمل ببطاريات أصغر ولوقت أطول دون التضحية بالأداء.

انتقالاً من هنا، سيجد مصنعو الشرائح أنفسهم أمام نقطة تحول في طريقة تصميم الذواكر، وربما يُصبح بالإمكان الاستغناء عن طبقات من ذاكرة الكاش التقليدية “SRAM” في الدوائر المتكاملة، مما يقلل المساحة والتكلفة واستهلاك الطاقة في شريحة المعالج نفسها.


ماذا تعني هذه الخطوة لمستقبل التقنية الصينية والعالمية؟

حظيت نتائج فريق فودان بترحيب واسع في الأوساط العلمية، إذ وُصِفَت آلية عمل الشريحة بأنها “فريدة تماماً” ومختلفة جذرياً عن تصاميم الذاكرة السابقة. الأهم أن الفريق صمم شريحته بما يتوافق مع خطوط إنتاج المواد ثنائية الأبعاد التي بدأت تنتشر في مصانع أشباه الموصلات الكبرى، ما ينبئ بإمكان تسويق التقنية على نطاق واسع مستقبلاً، خاصة مع سعي الصين إلى تعزيز اكتفائها وقيادتها في صناعة الرقائق الإلكترونية. وإذا ما ثبتت قدرة الشريحة الجديدة على تحمل ملايين عمليات الكتابة المتكررة—وهو أمر يأخذه المصنعون بغاية الجِديّة—فقد نشهد تحولاً يطال كل شيء من أجهزة الحوسبة إلى الهواتف المحمولة وأجهزة تخزين البيانات العملاقة في الشبكات السحابية.

وتدل هذه المعطيات على أن تأثير التقنية سيمتد إلى مختلف جوانب الصناعة الرقمية، من كفاءة الذكاء الاصطناعي ووحدات المعالجة إلى تطبيقات قواعد البيانات الضخمة وحتى الاستخدامات المنزلية اليومية، ما يجعل الابتكار الجديد محطة فاصلة في تاريخ الإلكترونيات.


مستقبل يحاكي الخيال: ذاكرة دائمة وسريعة وخضراء

يبقى السؤال الأهم: هل ستصل هذه التقنية قريباً إلى أيدينا كمستهلكين؟ فريق جامعة فودان يعمل بالفعل على توسيع قدرات المعمارية الجديدة والاستعداد لتجارب على مستوى المصفوفات، في حين أن شراكات التصنيع التجارية لم تُكشف تفاصيلها بعد. ومع ذلك، تشتد المنافسة داخل الصين وخارجها لإدماج مواد ثنائية الأبعاد مثل الجرافين مع تقنيات “CMOS” الشائعة، الأمر الذي يعزز الأمل في سرعة تعميم التقنية.

ذو صلة

هناك احتمال كبير أن تُمكن هذه الشرائح أجهزة “اللابتوب” والهواتف من التشغيل الفوري مع استهلاك طاقة يكاد لا يُذكر، وتدعم برامج الذكاء الاصطناعي العملاقة بأن تكون مُخزِّنة لكل قواعد بياناتها في ذاكرة ثابتة بدلاً من إعادة التحميل المستمر. كما قد يصبح لدينا نمط جديد كلياً من الذواكر فائقة السرعة والصديقة للبيئة، تلبي شهية معالجات اللغات العملاقة—وهي عصب الثورة الرقمية اليوم.

وبينما تبدو روح الاكتشاف جلية في كل خطوة علمية، يمكن تعزيز المقال لو أضفنا تعبير “ثورة معرفية” أو ربط الإنجاز بمعنى الطفرة التقنية بدل الاكتفاء بكلمة “ابتكار”، أو فتح فقرة تربط تاريخ تطور الذاكرة بمشهد الذكاء الاصطناعي الآن لإضفاء مزيد من التماسك وربط الماضي بالحاضر. هكذا تكتمل صورة عالم يطرح ذاكرته القديمة جانباً ليستقبل مستقبلاً سريعاً، ذكياً، وخالداً.

ذو صلة